مكانهم في الأمة الإسلامية فكانوا أخلص دعاة هذه الدولة وإليهم يرجع الفضل في إقامتها، وقد رأى نصر بن سيار في هذه الدعوة خطراً على العرب والإسلام فقال فيما قال:
تعزي عن رحالك ثم قولي ... على الإسلام والعرب السلام
كانت الدعوة العباسية خليطاً من الدين والعصبية الفارسية فأبو مسلم كان فارسياُ ومسلماً غيوراً مخلصاً، وقد أسلم من أجله كثير من دهاقين الفرس وهو الذي قتل المتنبي الفارسي سر (به آفريد) حين إنتهز فرصة الدعوة فقام يحيي الزردشتية؛ وكان أبو مسلم قد دعاه من قبل فأسلم وسود. هذا المزج يتمثل حتى في تسمية أهل خراسان الرماح التي خرجوا بها لنصرة العباسيين: كافركوب (أي مضارب الكفار) فهو أسم مركب من كلمة عربية متصلة بالدين ومن كلمة فارسية. وما يتفكه به هنا قول بعض الشعراء:
وولهني وقع الأسنة والقنا ... وكافر كوبات لها عجر قفد
بأيدي رجال ما كلامي كلامهم ... يسمونني مرداً وما أنا والمرد؟
ومهما يكن فلا أخال البيروني قد أخطأ حين سمى الدولة العباسية (دولة خراسانية شرقية).
كان للدعوة العباسية وما عقبها من قيام الدولة نتائج كثيرة، وإنما يعنينا منها ما يتعلق بالفرس، فقد انتعشت الآمال في نفوسهم ومكنت لهم في الدولة وخلطتهم بالعرب خلطاً تاماً وكان من مظاهر هذا الانتصار في بلاد الفرس ظهور دعوات جديدة وثورات:(به آفريد) أنتهز الفرصة لوضع دين قريب من الزردشتية. فأعجلهأبومسلم وقتله. وقد أعجب الفرس بأبي مسلم أيما اعجاب، فلما مات أنكر المسلمية موته وقالوا أنه اختفى وسيجئ مهدياً من بعد، ومنهم من قال انه نبي بعثه زردشت وإنه لم يمت كما لم يمت زردشت. وقد دعا إلى هذا داعية في بلاد الترك يعرف باسم إسحاق التركي ولكنه فارسي. وقام صديق من أصدقاء أبي مسلم أسمه سنباد يقول: أن أبا مسلم اختفى في صورة حمامة بيضاء، ثم يعلن أنه سيذهب لهدم الكعبة انتقاماً لصديقه، وقد جمع حوله زهاء مائة ألف ولكن ثورته لم تلبث طويلاً. وتلت ذلك ثورات يوسف البرم والمقنع الخراساني وعلي مزدك، وبابك الخرمي، وأكثرها مصحوب بذكرى أبي مسلم. ثم جاء القرامطة وفعلوا ما فعلوا وكان منهم ابن أبي زكرياالذي شرع لهم أن من أطفأ النار بيده قطعت يده، ومن أطفأها بفمه قطع لسانه وهذا من أثر الزردشتية. كل هذه مظاهر تحتاج إلى شرح واستقصاء ولها دلالتها