فلسطين مظهراً لها لا سبباً فيها؛ وهذا هو الأمر الخطير الذي ينبغي لخصومنا أن يحسبوا حسابه ويتدبروا عواقبه. فأن فلسطين نفسها ما كانت تستطيع بفقرها وقلتها أن تنازل اليهود وهم أغنى الشعوب، وتصاول الإنجليز وهم أقوى الدول، لولا هذه الحياة الجديدة. وصحوة العرب ليست كصحوة غيرهم من الأجناس، فقد صحوا صحوتهم الأولى فملكوا الأرض والسماء، وخلَفوا الرسل والأنبياء، وقادوا العقول والأهواء، ولا يدري إلا الله ماذا يفعلون في هذه الصحوة الأخرى
في الساعة الخامسة من مساء يوم الجمعة الماضي اجتمع في مؤتمر القاهرة البرلماني المغرب ومصر وفلسطين وسورية ولبنان واليمن والعراق وإيران والهند والصين ويوغسلافيا وعرب الهجر للدفاع عن فلسطين، فكان هذا الحشد الحاشد في لغة الحرب تعبئة عامة لقوَى العروبة والإسلام ذياداً عن جزء عزيز من أجزاء وطنهما الأكبر، دهمه المستعمر بالقوة، واقتحمه المستثمر بالحيلة، فوقف يدافعهما عن قُوتِه وعن سكنه، ولا وزَر إلا الحق، ولا عُدة إلا الصبر، ولا سبيل إلا التضحية. أجل عبأت العروبة قواها بعد أن سألت إنجلترا الحق فلم تعط، وناشدتها العدل فلم تجب، وأهابت بضمير الإنسانية في قاعة العصبة، ودار البرلمان، وإدارات الصحف، فلم تجد إلا طمعاً ختم على الأسماع، وهوى غشُّى على الأفئدة، وسياسة قامت على المقايضة والمقارضة بين القوى والقوى على حساب المخدوع والضعيف
لقد بلغت القضية الفلسطينية اليوم الحد الفصل، فهيهات يغني الجدال والمطال والخديعة. كانت فلسطين قبل هذا المؤتمر تجاهد العدو وحدها بالاستبسال والمصابرة، وأخواتها في الشرق والغرب لا يمدونها إلا بأسلحة العجز من كلام ودموع. فلما رأوا أن حقهم يميته القول، وباطل غيرهم يحيه الفعل، جمعوا أمرهم على الجد، وطووا قلوبهم على العمل، وقالت مصر على لسان نائبها وخطيبها الأستاذ علوبة باشا:(إن الحلال بيَّن والحرام بيَّن، ومن الخير أن تعمل الوزارة الإنجليزية على البت في مأساة طال أمده وتنوعت كوارثها، فإما اعتراف بحق المظلومين، وإما جنوح إلى باطل الصهيونيين). وقالت العراق بلسان نائبها مولود باشا مخلص:(إن السلام لا يمكن استقراره إلا بحل عادل لمشكلة فلسطين، وإن العراق مستعدة لأي عمل لإنقاذ فلسطين). وقالت سورية بلسان ممثلها وخطيبها الأستاذ