سكان الأراضي المقدسة. وما كاد يتم كلامه حتى دوى المكان بالتصفيق واهتزت الجدران بالهتاف العالي المتواصل. وعرضت ملابسة للبيع فتنافس الجميع في شرائها كل يريد أن ينفرد بشرف الحصول عليها حتى بلغت قيمتها حداً عظيماً. وأراد الشاري أن يعيد الملابس إلى صاحبها بعد أن تم المقصد من تقديمها ولكن هذا أبى ذلك بشدة واعتبر هذا العمل إهانة له. وبعد ملابس حكمة أمطر الطلاب المنبر بوابل من أشيائهم الخاصة طالبين بيعها فهذا قدم قلمه السيال وذاك محفظته وثالث ساعته ورابع نظارته وهلم جرا.
هذا ما قام به طالب عراقي فقير من الأرياف، وهو عمل قد يعتبره بعض الناس عادياً، ولكن المتعمق لا يسعه إلا أن يعجب به ويمجده ويبني عليه الآمال العظام لأننا نعيش الآن في عصر شمل فيه الانحلال كل شيء حتى بات العمل الصالح نادراً يجب التمسك به وإعلانه إلى الملأ عند العثور عليه.
فاهنأ بعيشك يا حكمة فأن أمة فيها شاب مثلك لن يكتب لها أن تموت، وإن شعباً فيه روح مثل روحك هو شعب حي سيسود رغم كيد العدوين: الأجنبي المستعمر والوطني الخائن. سر في طريقك على بركات الله ولا تجزع، فأن كنت قليل المال أو معدومة فإنك غني النفس، وقد استطعت بهذا الغنى أن تقدم لفلسطين مساعدة مادية، وأن تضرب للشباب مثلاً سامياً في التضحية، كما أعدت إلى اليائسين أمثالي ثقتهم بشباب هذا الجيل - وكل ذلك وقف دون تحقيقه من هم أغنى منك مالاً لأنهم أصغر منك قلباً وأحقر نفساً، نم مرتاح الفؤاد يا حكمة فأن قصتك ستبقى خالدة على الدهر يستنير بها الشباب ويتخذونها شعاراً حياً يرمز إلى كل ما في كلمة (جهاد) من معنى.
وأنت يا فلسطين، ماذا أقول وكل حرف من أسمك المطهر يفجر قلبي نبعاً جديداً من الأسى؟ أأرثي لحظك المنكود أم أرثي أرضك التي لم تراعَ حرمه لقدسيتها؟ أم أنوح على مئات الضحايا تقدمينها كل فجر على مذبح الشرف والحرية؟ أم هل أشق الفضاء بصيحات أندب فيها قراك الخربة ومنازلك المتهدمة وحقك المسلوب؟ كلا والله ليس البكاء والعويل بمنقذك.
أي أندلسنا الجيدة: إن أبناء الأندلس القديمة لم يبخلوا بالندب والنواح والاستغاثة والصياح، ولكنهم مع ذلك خسروا بلادهم واخرجوا عن دينهم لأنهم اكتفوا بأنات الألم واستسلموا