ليستمع إلى كل ذي حاجة، فأن استطاع أن يمد إليه يد المساعدة دون أن يجوز بذلك على القانون لم يتردد أو يتأخر. وكثيراً ما كان يجعل الرحمة فوق العدل، إذا رأى نفسه بين أن يعدل فيقسو أو يرحم فيميل بعض الميل. . . ولكنه في ذلك لا يسئ إلى الخلق أو يتهاون في قاعدة جوهرية وحاشاه أن يفعل هذا أو ما هو دونه. . .
ولن يضيق صدره بذوي الحاجات لديه، مع أنهم كانوا يلقونه على السلم، ويقفون أمام غرفته صفوفاً خلف صفوف، بل كثيراً ما كانوا يستوقفونه على الطريق ويزحمونه. . . ولكنه من الكاظمين الغيظ. . ولن يستطيع قلبه الكبير أن ينهر السائل فيزيده بؤساً على بؤسه، وهو الذي عرف اليتم منذ حداثته وذاق الشقاء ألواناً. . .
على أنه مهما بلغ من رحمته وبره بالمساكين، يعرف أساليب الماكرين، فلا ينخدع بما يراه من ادعاءاتهم فيصرفهم بالحسنى وإلا فبشيء من الشدة يشبه التأنيب ويراد به الزجر. . . دخل عليه رجل كسرت ساقه يسأله عملاً إذ فقد رجله في الحرب، فسأله الرئيس أيحمل أية شهادة أو دليلاً على صدق دعواه، ولكن الرجل لا يحمل شيئاً، فصاح به الرئيس قائلاً:(ماذا؟ ليس لديك أي أوراق أو أي شهادات أو أي شيء يرينا كيف فقدت رجلك. . . فليت شعري كيف أتبين أنك لم تفدها في فخ وقعت فيه وقد سطوت على بستان غيرك. . .)
ويعجب القائمون على الحكومة كيف يطيق الرئيس وقد ملأت وقته الأحداث الجسام أن يلقى هؤلاء الناس ويستمع إلى مثل هذه الأمور الصغيرة وكان جديراً به أن يكلها إلى غيره. . . ولكن أليس هو من الناس؟ أليس هو خادم الجميع قبل أن يكون رئيس الجميع؟ وهل يغير المنصب ما فطرت عليه الأنفس الكريمة من كريم الخصال؟. . .
هاهو ذا ابراهام النجار تراه في البيت الأبيض ولم يزل هو هو، وداعة في قوة، وتواضع في عزة، ورقة في وقار. . . ومن وراء ذلك قلب تسع رحمته شكوى الناس جميعاً، قلب لا يتهنأ ولا يفرح إلا إذا صنع المعروف وأدلى الجميل فأفرح القلوب وأدخل عليها الهناءة.
وما كان أعظم الرئيس وأجمل خلقه حين يلقى في الطريق إلى غرفته أحد معارفه ممن لاقاهم قبلُ في مضطرب الحياة، فيقف يضحك وإياه ويده على كتفه ويسأل عن أمره وأمر أسرته. . .
ولقد يأخذه معه إلى قاعة الرياسة فيذكر له الأيام الماضية حتى ما يشعر الرجل أنه بين