للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأخشى أن يحسب حاسب أنه قد طغى وثوقي بهذه الشخصية وحبي لها على تقدير عملها في (الحيوان) تقديراً بعيداً عن الغلو، كما أخشى أن يظن ظان أن الأمر في هذا التقديم مرجعه إلى (توريط) الصداقة وتقريظ الأصدقاء بعضهم بعضاً. وحسب ذاك الحاسب وهذا الطغيان أن يرجعا إلى الجزء الذي طبع من الحيوان ليريا المجهود فيعرفا الشخص الذي بذله كما عرفته أنا منذ خمس عشرة سنة أدبياً متصلاً بصميم الأدب العربي مقلباً يده وعينه في مراجعه القريبة والبعيدة ممتلئاً من حُر نصوصه.

وإذا كانت الأمور تقاس وتقدر بما يبذل فيها من مجهود له نتيجته النافعة فأظن أن ما في المطبوعة الحديثة من الحيوان من التحقيقات وتحرير النصوص وفهارس المعارف وأجناس الحيوان وأعلامه وأعلام الناس والقبائل والطواف والبلدان والأماكن والأمثال والشعر والأرجاز واللغة والكتب وأيام العرب، أظن هذا كله عملاً أشق وأنفع من كثير من الكتب التي يرسلها مؤلفوها إرسالاً سهلاً. وأظن أنه يستتبع تقدير صاحبه تقديراً ترضى به نفسه. وقد صار العلم الآن بما في الكتب القديمة سهل المورد بأمثال هذه الفهارس التي تنفض ما في الكتب نفضاً، وتعلن عن كل كلمة فيها إعلاناً عريضاً يأخذ بعيون الباحثين إلى ما يلقون من الأشباه والنظائر والمختلفات، مما يوفر عليهم الجهد والوقت والاستذكار، حتى لقد شاعت هذه الكلمة (أن العلم الآن معرفة ما في الفهارس)

وقد ابتدع الأستاذ هارون فهرساً قيماً لما في الحيوان من المعارف التي وضع لها هو أيضاً عنوانات فصلت أثناء الكتاب، وهو لون طريف في التعريف بما ورد في الكتاب حشوا في غيره، مما قد يمر عليه القارئ عفواً بدون ترقب ولا تعقب؛ وهو عمل عظيم في كتب شأن مؤلفيها الاستطراد وإلقاء ما في الذاكرة متى حضر ولو بدون مناسبة قريبة، وإنما هو جود الذاكرة.

والأوائل كانوا على رأي في الأدب هو انه الإلمام من كل شيء بطرف، ولذلك كانوا يخرجون كتبهم الأدبية إخراجاً يرضي هذا التعريف. فكانت كتبهم الغالبة أشبه شيء بحديث المجالس وأماليها. غير أن هذا اللون من التأليف نبأ عنه الذوق العصري الذي لا يرضي من المعارف إلا ما كان فصائل وأجناساً مضموماً بعضها إلى بعض مميزة بعنوانات تضم الشتيت كما يضم اللقب الأسرة، ولا يرضي أن يذهب فكر القارئ شعاعاً

<<  <  ج:
ص:  >  >>