للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبدداً هنا وهناك وقت القراءة.

وعلى ذلك كل عمل يرشد القارئ الجديد إلى ما يبحث عنه في بطون الأسفار القديمة رأساً بدون اضطراره إلى الخوض في بحر لا ساحل له، وفي مباحث لا حاجة له إليها، فهو عمل من أعظم ما يربط أسباب الجديد بالقديم ويجلو الدرر المدفونة بين طيات الكتب التي فيها كثير من الحصا والتراب.

وقد قدم الأستاذ هارون (مكتبة الجاحظ) التي (سيعمل جهده على إخراج ما يمكن منها بعون الله ما مد له في الحياة) تقديماً بديعاً تحدث فيه عن بيان الجاحظ وعصره والتأليف في عصره ومؤلفات الجاحظ ومنحاه في التأليف وقيمة كتبه في نوادي الأدب وذيوعها ووراقيها. وقد أتى في هذا الحديث بفوائد ممتعة.

وقد قدم كذلك كتاب الحيوان تقديماً خاصاً عرض فيه لمنشأ التأليف في الحيوان عند العرب ولمراجع الجاحظ في تأليف كتابه من القرآن والحديث والشعر العربي وكتاب الحيوان لأرسطو ومحاولات المعتزلة وجدالهم فيما بين أيديهم من ألوان المعارف جليلها ودقيقها؛ ثم المجهود الشخصي للجاحظ وولوعه بمباحث الحيوان ولوعاً حمله على أن يجالس الملاحين وصائدي العصافير والحوائين وغيرهم من القائمين على شؤون الحيوان. وهو لعمر الحق مبحث في غاية النفاسة وفي صميم الأدب الأصيل اهتدى إليه الأستاذ هارون ابتداء، لم يسبقه إليه سابق فيما أعلم. ومن المباحث القيمة أيضاً في هذا التقديم تحقيق زمن تأليف الجاحظ للحيوان وتبيين قيمة كتاب الحيوان بما فيه من المعارف الطبيعية والمسائل الفلسفية وسياسة الأقوام والأفراد ونزاع الطوائف، والمسائل الجغرافية وخصائص الأجناس وقضايا التاريخ وأحاديث الطب والأمراض والمفردات الطبية، وأحوال العرب وعلومهم ومزاعمهم، ومسائل كثيرة في الفقه والدين، مضافاً إلى ذلك كله فكاهة الجاحظ الساخر، أو فلتير الشرق - كما لقبه الأستاذ الزيات - واختياره للصفوة المختارة من حر الشعر العربي ونادره. . . إلى أخر ما تمتاز به مؤلفات أبي عثمان البحر. . .

(وبعد) فنظرة واحدة إلى صفحة من صفحات الكتاب بصلبها وهامشها تقف القارئ مباشرة على مقدار الجهد العنيف الذي بذله الأستاذ الصبور محقق الكتاب، في ضبط الألفاظ وشرحها وفي مقابلة النسخ القديمة التي اعتراها كثير من التصحيف والتحريف، وفي أمانته

<<  <  ج:
ص:  >  >>