للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الآخر فيوغر عليه صدر الوالي حتى ينفيه

وقد اكتسب هذا السيد محبتي وعطفي العميقين في الليالي التي كان يقضي فيها السهرة معي ومع القنصل الأمريكي. وكان يطمئن إلى مجلسنا فيشكو لنا ما يعانيه من الظلم. أما حين نلتقي به في منزل أي موظف مصري فقد كان يحرص على عدم الخوض في هذا الموضوع خشية أن تُنقل عنه أحاديثه إلى الحكومة

ولما كنت أجنبياً غريباً فإنه لم يخطر ببالي قط أن في وسعي أداء أية خدمة لرفاعه باشا. وكنت مزمعاً العودة إلى بلادي عن طريق مصر. ولكن معرفتي بالغة العربية محدودة وإلمامي قليل بعاداتها ونظمها. وفضلا عن ذلك فقد كنت أرجو ألاً أطيل بها المكث إلا ريثما أعبر إلى الشاطئ

على أنني كنت أسير وإياه في الطريق في ليلة من لياليَّ الأخيرة في السودان فقال لي همساً إن لديه حديثاً يريد أن يسره إليَّ

ومع أن الليلة كانت مقمرة فقد كان معنا خادم وطني يحمل المشعال، فأمره الباشا بأن ينصرف، فاختفى عن ناظرنا بعد قليل في منعطف ضيق من منعطفات الطريق، وكان الصمت مخيماً لولا أصوات الرياح إذ تتخلل أطراف النخيل البارزة رؤوسها فوق أسوار الحدائق

وقال الباشا وهو يمسك بيدي: (لنا أن نتحدث الآن بضع دقائق دون أن يسمع أحد حديثنا ولي رجاء لديك)

قلت: (على الرحب إن كان في وسعي)

فقال: (إنك لن تتكلف مشقة ما، ولكنك ستؤدي لي مع ذلك خدمة جليلة. أرجو أن تحمل عني خطابين إلى مصر، أحدهما إلى نجلي في طهطا، والآخر إلى المستر موري القنصل الإنكليزي في القاهرة، ولا أستطيع ائتمان التجار المصريين على هاتين الرسالتين، فلو فضتا وقرأتا لطال أمد نفي في هذه البلاد سنين عدة. أما إذا تفضلت بإيصالهما فإن أصدقائي بمصر سيعرفون السبيل إلى معاونتي وربما تمكنوا من إعادتي إلى وطني

فوعدته بأن أسلم الخطابين إلى صاحبيهما يداً بيد. فبدا الانشراح على وجه الباشا وودعني عند باب القنصل الأمريكي

<<  <  ج:
ص:  >  >>