فليس الجمال في بيان أن هزال الجسم في عظام الرجال ينم على كبر نفوسهم، فقل من تأخذه الروعة لهذه البيان، إذ هو حقيقة مجردة، والعلم بالحقيقة المجردة أزلي في النفوس، ولكن إلباس هذه الحقيقة لونا من الخيال يجعلها حقيقة ثانية لم يسبق لها وجود في النفس فتظهر بها في مظهر الروعة والجلال.
فقد لحظ الفكر في البيت الأخير بعد تصوره المعنى الحقيقي الثابت وهو استلزام كبر النفس إجهاد الجوارح، واستلزام هذا نحول الجسم. . . لحظ الفكر ما يقابل النحول وهو السمن، فشاء أن يجعل السمن الذي هو مقابل النحول علة له وهو من الغرابة بمكان، ثم لحظ الهمة التي هي مناط الطموح المفضي إلى إجهاد النفس فاسند إليها السمن بجامع العظمة بينه وبين الكبر، فصح له إذ ذاك أن يعلل به النحول، فكان من المجموع ذلك خيال يوهم النفس انه حقيقة جديدة فيستهويها بما يبتدعه من خلق ما لم يكن وإيهامها انه قد كان
وإما الفكر في البيت الأول، فقد مر بالحكمة فأبرزها عارية من جمال الفن، فكانت بعيدة عما يصعد بها إلى سماء الشعر، ثم يطبعها على مرآة النفس حية خالدة
فالشعر البسيط المعنى، هو بجمال فنه اعلق بالنفس الشاعرة منه بجلال معناه، وهو بعيد عن جمال الفن
والنفس بطبعها ميالة إلى البحث عما تجهل (حب الاستطلاع) من اجل ذلك يستهويها الغريب فتعلق به حتى إذا الفته وأحاطت به هجرته وملت صحبته، فهي والحقيقة الراهنة قيد حواسها، تتشوف إلى ما وراء الحقيقة، فإذا أخفقت فزعت إلى الفكر فراح يعبث بها ويملأ زواياها إعجابا بما يصوره من أخيلة تتراءى لها حقائق جديدة
فإذا علمت أن الحياة إنما هي حكمة وفن، وأن الحكمة نواميس يسنها في الطبيعة المبدع الأول، وفي الاجتماع المبدع الثاني، وأن الفن هو ما فيهما من جمال، وأن مناط هذه الحكمة العقل، والعقل عرضة للزوال، ومناط ذلك الفن الروح، والروح الخالدة؛ إذا علمت ذلك علمت أن الفن إنما هو قوام الحياة الأسمى، فلم نكن لنرتاد المروج والحدائق لو لم تؤخذ العين بسحر ما في زهورها وشجرها وثمرها من جمال الفن، ولا لندخل منزلا لم تسبغ عليه يد الفن جمالا يستهويك بين آرائك تتخللها المناضد، تعلوها الآنية على احدث فن