وقد يستهويك ما تسمع وترى من جمال الفن فيك فيخلق فيك فكرة الإبداع، فيسوغ لك إذ ذاك أن تقول: أن الفن في الأثر بدعة وإبداع ايضا، على انه إبداع الفن في النفس، يؤول إلى إبداع النفس في الفن آخر الأمر
ثم أن للفن في المسموع لطف وقع على السمع، وبعد اثر في أعماق النفس، لن يتوفر في الفن المنظور من حيث تراك وأنت تسمع الصوت الجميل فتهتز، تتصور جمال العازف وهو بعيد عنك بجسمه، وقريب منك بروحه الموقعة على الأوتار ينقلها إليك الحاكي، أو يبعثها إلى روحك توقيع الفنان من وراء الستار، فيتوفر لديك مؤثران: الفن الذي نحسه، وجمال الفنان الذي تتخيله ضرورة انك لا تلحظ الصوت وأنت ترى الشخص الجميل، بينما لا تسمع الصوت الجميل إلا وتتصور جمال الشخص من ورائه
الروح في الفن
في كل كائن ثلاث ميز: جنسه، ونوعيته، وذاته؛ ففي الإنسان مثلا ما يميزه من العجماوات وهي إنسانيته، ثم ما يميز من غيره من أبناء نوعه وهي شخصيته. والشخصية هنا هي ما يميز الشخص من أفراد نوعه في شكله لا في روحه، فالروح لا تلمس إلا بآثارها، ولا يمكن للرسام وهو الشاعر الصامت أن يصورها وهي متصلة بالروح (سر الحياة الغامضة) ولكنه يستطيع إبراز شخصية النوع كآثار النفس الناطقة لما يدل عليها من أمائر تبدو على أسرة الوجه، ورسم الأعضاء على كيفية تشير إلى النفسيات بما عودت الناظر عليه في حقيقة الحي قبل رسمه
فريشة الرسام لا تتناول رسم الأعضاء بما يميز الشخص في جنسه أو نوعه فحسب حتى تتناول شخصيته أي تميزه من غيره من أفراد نوعه، ومناط التفاضل بين أولي الفن إنما هو في إبراز هذه الشخصية مشفوعة بميزة النوع
فإذا لم تقرأ في الرسم ما يقفك عل خصائص نوعه كآثار النفس الناطقة في الإنسان من حيث تفكيره وعواطفه، ثم نسبة هذه الخصائص الكلية في النوع إلى الخصائص الجزئية في الشخص، فلن تستطيع أن تقف من هذا الرسم على روحتلمس من وراءها جمال الفن فيه