فالروح في فن التصوير هي أن تجمع إلى خصائص النفس النوعية فيما تصور خصائصها الشخصية التي يمتاز بها الفرد من غيره من أبناء نوعه
فإذا توفرت هذه في الرسم خلق في نفسك - وأنت تراه - الروعة بما يمثل لك من حقيقة في الخارج حتى كأنك تلمسها بروحك
وهكذا هي - أي الروح - في تصوير الأشياء: جمال في الرسم يلمسك حقيقة ما أوخذ عنه لما تجدك معه معجبا بما تنصفح من خيال رائع
أما الرسوم الخيالية (كاريكاتور) كرموز الآلهة وصور الشياطين ونحوها فمناط الإبداع فيها انفعال نفس الناظر إليها بما خلقت له كالجمال والحب والخير والشر في رسوم الآلهة، وكالإرهاب والتفكهة والحمل على السخرية فيما عداها من الرسوم فروح هنا هي تأثير الرسم في النفس بما رسم له ليصح معنا أن الروح في كلا الأمرين: نقل الحقيقة وخلقها، إنما هي إلماس الرائي حقيقة ما ينقل الراسم أو حقيقة ما يتخيل والروح الفنية تختلف باختلاف فنونها، فالروح في فن الرسم هي غير الروح في فن النظم، والروح في هذين غيرها في فن الموسيقى، فهي في الرسم منتزعة من المرسوم، وإما في المنظوم فهي منتزعة من الناظم. إذ الشاعر يصور غيره في طريقه إلى تصوير نفسه، وإما الرسام فيصور نفسه في طريقه إلى تصوير غيره، فنظم الشاعر مرآة تريك نفسه ونفس الرسام مرآة تريك رسمه
وبأوضح من هذا إنك وأنت تدرس فن الرسم تتلمس روح الفن من حيث اتصالها بالمرسوم قبل الراسم، وفي درسك فن الشعر تتلمس روح الفن من حيث اتصالها بالشاعر قبل ما يشعر به، من أجل ذلك تراك شديد الحرص على معرفة الشاعر لدى سماعك قطعة من شعره هي غاية في الإبداع، بينما ترى الصورة الجميلة على الجدار فتفتتن بها من حيث فنها، ثم لا تجدك شديد الميل إلى معرفة من أبدعها. فلحاظك الشاعر وهو يستهويك بشعره، فوق لحاظك الرسام وأنت تعجب بما يرسم
على أن الفرق بين روحي فن الرسم وفن الشعر جد دقيق، لدقة الفرق بين الرسام والشاعر، ولعل الرسام شاعر صامت
فالرسام وهو يصور لك الحقيقة في الخارج تصويرا حقا هو ابلغ أثرا في الفن منه وهو