وألخص موقفي من اللغة العامية ورأيي فيها فأقول إنها فرع من هذه الشجرة العظيمة التي نمت على الأيام وأصابها الركود الشديد عصوراً غير قصيرة وأعنى بها اللغة العربية. ولكنها - أي العامية بحالتها الراهنة لا تصلح أن تكون أداة لأكثر من التخاطب في الشئون العادية فلا يجوز اتخاذها أداة للكتابة وما يطلب بها من الأغراض، وهي فضلاً عن قصورها تختلف باختلاف الأقطار بل الأقاليم المتقاربة، فلهذا لا تصلح أن تكون لغة عامة، ومن السخافة أن نتخذ لغة قاصرة غير وأفيه لا يفهمها إلا عدد محدود وأن نهجر لغة عامة يفهمها كل أحد في كل بلد. ومن السخافة أن نقتل لغتنا العربية التي خلف لنا أصحابها كل هذه الكنوز في الأدب والعلوم والفلسفة والتاريخ وغير ذلك من أجل لغة لا ماضي لها ولا حاضر أيضاً، لأنها غير ثابتة وتحولها دائم مع ارتقاء التعليم وانتشارة، ولا مستقبل لها كذلك إلا الاندماج في اللغة العربية الفصحى بفضل تقدم التعليم وانتشاره كذلك. ولكن هذه العامية التي لا تصلح أن تتخذ أداة الكتابة عربية الأصل وإن كان فيها كثير من الدخيل من لغات أخرى بحكم اتصال الشعوب بعضها ببعض وأخذ بعضها عن بعض، ولهذا يحسن الانتفاع بما فيها من العربي الصحيح وإن كان محرفاً قليلاً. ويجب لهذا الغرض أن نعنى بإحصاء الألفاظ العربية في العامية وأن نردها إلى أصلها إذا احتاج الأمر إلى ذلك وأن نستعملها ونستغني بذلك عن البحث العقيم عن ألفاظ أخرى بدلاً منها في ما مات من ألفاظ اللغة العربية وعجز عن البقاء. وفي العامية فضلاً عن ذلك تعابير مثلها غير موجود في العربية، أو موجود ولكنه غير سائغ لا يقبله الذوق العام، فهذا يحسن اتخاذها أيضاً وإغناء العربية بها فإنها بذلك تتسع وتلين وتكتسب المرونة اللازمة. فيحس ابن اللغة وهو يستعملها أنها أداة حية نابضة لا جامدة ناشفة.
وأظن أني بعد هذا لا أحتاج أن أقول أني لست عدواً للعامية أو سواها؛ وقد يساعد على نفي هذا الوهم أن أذكر أني استعنت بها في الحوار في بعض ما كتبت من الروايات أو القصص بالقدر اللازم ليس إلا - استعملتها في هذا النطاق المحدود في روايتين على الخصوص رواية إبراهيم الكاتب ورواية تمثلية اسمها (غريزة المرأة أو حكم الطاعة) ولكنى التزمت حدوداً معينة لم أتجاوزها. ولا يحسب أحد أني أريد الإعلان عن هاتين الروايتين فقد نقدتا من زمان طويل.