مظهر هذه هو الصوت من حيث توقيعه وترجيعه، ومظهر تلك هو اللفظ من حيث يبعث في نفسك ما انفعلت به نفس الشاعر وهو يلفظه، وهذه الروح التي نفرق بينها وبين روح الفن الموسيقى، إنما هي الروح التي تقابل الفن والعلم في الشعر لا الروح التي هي داخلة في قوام الفن في الشعر، فان في الشعر روحين أحدهما داخلة في قوام الشعر وهي هذه المعبر عنها بالتأثير النفسي المنتقل باللفظ من نفس الشاعر إلى نفس السامع أو المطالع كما تنقل الأوتار تأثيرات الموقع عليها إلى سامعها
وثانيتهما داخلة في مفهوم فن الشعر وهي المعبر عنها بالذوق الشخصي في الشاعر ينقلها اللفظ من حيث تصويره للحقائق منقولة أو متخيلة، وهذه تتفق مع الروح في فن الرسم من حيث المصدر، فكلتاهما تصدر عن الفكر والخيال
فالروح في فن التصوير تتفق مع الروح في فن الشعر من حيث مصدرهما وهو الخيال والفكر , وتختلفان من حيث إعجازهما في الإبداع؛ فالأولى إنما تعجز في نقل الحقائق، والثانية إنما تعجز في خلقها
والروح الشعرية التي تقابل العلم والفن تتفق مع الروح في فن الموسيقى من حيث المصدر الذي هو العاطفة، وتختلفان من حيث المظهر، فان مبعث التأثير في نفسك من الأولى هو الصوت من حيث التوقيع والترجيع، ولا مدلول له إلا انفعال النفس من ورائه، وإما مبعث التأثير من الثانية فهو اللفظ من حيث نقله التأثير إليك بواسطة حروفه لا صوته
فمدلول الصوت طبيعي من حيث يتناول ما يختلج في الصدر بلا واسطة، ومدلول اللفظ وضعي يتناول روح اللافظ بواسطة مدلوله الخارجي
فلا بد لنا أذن من العود إلى أن نعيد قولنا في الشعر من أنه علم وفن وروح، فقوام العلم الفصاحة، وقوام الفن الخيال، وقوام الروح العاطفة