فارغة وأنها ربما لن تتجاوز حد الكلام إلا أنها كانت دليلاً قاطعاً على فقدان روح المسئولية في الأسلوب السياسي المتبع. فالمعارضون يعتبرون القابضين على زمام الحكم في عداد الخونة، وهؤلاء يعتقدون أن الواجب يدعوهم إلى اتخاذ أي تدبير كان ماداموا يعتقدون فيه الصلاح. وعلى هذا فإن كلا الفريقين يسير على غير بصيرة في طريق ينهى عنه العقل السليم ويجعل ادعاء كل منهما الإخلاص في العمل على نفع الأمة وزعمه أنه مستعد للموت في سبيلها كلاماً بلا معنى.
لقد ظهر لي أثر العاطفة المتطرفة في السياسة بجلاء لما زرت أحد أعداء الحكومة وكان من قواد الثورة على الفرنسيين عام ١٩٢٥. ولم يؤكد لي أشخاص مختلفون بأنه كان يقود الحملة تلو الأخرى ضد الفرنسيين لما صدقت قط أن هذا الرجل كان في يوم من الأيام مصدراً عظيماً لقلق القيادة العسكرية الفرنسية فقد استقبلني عندما زرته في ساعة متأخرة من الليل بجلباب من الحرير الأبيض الفاخر الموشي بخيوط حمراء وذهبية وكان يقطن (شقة) حديثة فخمة. وهو خريج جامعة ألمانية مشهورة ولكنه يتكلم الإنكليزية بسهولة وعذوبة تتناسب مع سكناه في منزل جميل وارتدائه الحرير الأبيض لاستقبال الضيوف الأجانب.
ذكرت لمضيفي بعض رجال الحكومة فانفجر واتهمهم بالخيانة وسوء الائتمان، وعندما سألته عن الوسيلة الناجمة لإزالة الفساد المالي من حياة سورية السياسية أجاب على الفور وبلا تردد:
- (يحب أن نقتل هذه الفئة المسيئة أولا)
فأخذتني الدهشة وسألته:
- (ومن تقصد بذلك)؟
- (الذين بيدهم الحكم فهم لا يعلمون إلا لتحقيق مصالحهم الخاصة)
- (ولكن، لي من المعقول أن ترغب في قتلهم لمجرد اعتقادك انهم غير نزيهين)
- (القتل هو الطريقة الوحيدة لتعليمهم النزاهة في الحكم. يجب أن نقتلهم، وسنقتلهم عندما يحل الميعاد)
- (وهل تعتقد حقاً أن القتل مازال في هذا العصر الحديث أحسن وسيلة للتهذيب