- (نعم، ففي الشرق الأدنى لو يزل القتل أحسن واسطة. إنه ليس من المؤكد أن ننفذ القتل في هذه السنة أو التي تليها ولكنك عند ما تعود إلى سورية بعد بضعة أعوام ستشهد بعض التبدلات الخطيرة، وربما وجدت بعض الأشخاص الذين تعرفت إليهم هذه المرة قد انتقلوا إلى غير هذا العالم)
لقد تفوه بهذه العبارات القاسية بكل هدوء، مثله في ذلك مثل البط البري الذي لا تؤثر المياه في أجنحته عندما يغطس في البحيرة. وقد اتضح لي أنه لا يعترف بأية صلة بين الدعوة التي أخذ يبشر بها وبين ما يترتب على تطبيق وسائلها من عواقب مخيفة، فهما في نظره أمران لا ارتباط بينهما.
مما لاشك فيه أن لشخصية هذا الرجل جاذبية قوية يعترف بها أعداؤه أنفسهم. وكانت حقيقته تخفى عن الناس بفضل الجاذبية ولفضل طريقته في الكلام عن أهم معتقداته بلهجة عادية كأنه يشرح أمراً بسيطاً. لقد وخط المشيب رأسه، ومع ذلك فقد كانت حركاته كحركة الفتيان تدل على قوة العضل ومرونته.
أني صدقت القصص التي رواها لي عن عمله مع لورنس إذ كانا يشتركان في نسف القُطرُ العثمانية والتمتع بنشوة الحرب والقتل يتحلى هذا الرجل بكل الصفات الخيالية التي تجعل في الثائر العربي فتنة للزائر الأجنبي، وخصوصاً إذا كان هذا الزائر جاهلاً بما هو مخبوء وراء ذلك السحر الخارجي. إني لأذكر في هذه المناسبة العبارات التي قالها رجل بريطاني عقب زيارته لمفتى فلسطين:(يالها من عيون بريئة! ياله من وجه صبوح جميل!) لم تكن عيون مضيفي في دمشق بريئة ولكنه كان يتغنى بالآداب الاجتماعية التي لقنته إياها المدينة الغربية، ومع ذلك فان تمدينه الظاهر الذي يتنافى مع ما يخيفه من غرائز أولية ربما كان عائقاً يؤخر إصلاح الشرق أكثر من الوطنية المتطرفة المصحوبة بالنية الحسنة التي يتصف بها فخري البارودي. ومع أن هذا المضيف قد استنشق الهواء في جامعات أوربية مختلفة وكان ينتقل بين أثاثه الضخم بكل ثقة واطمئنان فهو لم يتعلم بعد أن القتل لم يعد الوسيلة الوحيدة لتعليم السياسيين الأخلاق. إن أمثال هذا الرجال ليعرقلون المساعي المخلصة التي يبذلها المستنيرون من العرب