لقد أدركت عند ختام زيارتي دمشق السبب الذي جعل سورية تخرج هذا العدد الكبير قادة السياسة في البلاد العربية، كما أدركت الداعي لاعتبارها ركناً من أركان الحركة العربية الحديثة: إن في العقل السوري لفطنة، وإن في أكثر رجال السياسة في سورية لمضاء في العزيمة لم ألحظه في مصر؛ وخيل إلي في فلسطين أنه موقت يزول بزوال الظروف الحاضرة. إن جميع الصفات التي تميز الخلق العربي بارزة في شخصية السوريين بكل وضوح وجلاء، مما لاشك فيه أنهم سيلعبون دوراً رئيسياً في حياة الشرق الأدنى المستقبلة.
إن طبيعة السوريين والظروف التي أحاطت بهم جعلت منهم شعباً ثائراً، ولهذا كان منتظراً أن يعجز الفرنسيون عن إدارة سورية في جو هادئ. غير انه لا يمكن اعتبار فرنسا وحدها مسؤولة عن تمرد السوريين وما أنتجه من حركات منذ عام ١٩٢٠، كما أنه ليس من المؤكد أن تنتهي المنازعات الداخلية بعد نيل سورية استقلاها التام عام ١٩٣٩ إذ أن السوريين في أشد الحاجة إلى كثير من التهذيب السياسي والاعتياد على ضبط النفس ليصونوا البلاد من التفكك الداخلي. إن أمثال الدكتور الكيالي يجب أن يجدوا ويجتهدوا لكي يجعلوا الصداقة الأبدية مع فرنسا التي يدعو إليها المسيو إده في لبنان بأعلى صوته ضرورية لسورية.