وأتعصب لك؛ ولكن موقفك من العقاد يا سيدي. . . ليت شعري لماذا تتخاصمان؟. . . لقد كنت على حق. . . ولكن العقاد على حق. . . هل تأذن لي أن أكون رسول السلام بينكما؟)
ثم لا تمضي أيام حتى يعود فيكتب إلى الرافعي رسالته الثانية:(معذرة. . . أنك لتتجنى على العقائد تجنيا ظالماً، فما لك وجه من الحق في عدائه والحملة عليه. لقد عقمت العربية فلم تنجب غير العقاد. . . وإنك أنت. . . إنك كبير في نفسي، كبير جداً، وإني لأقلب تاريخ العربية بين يدي فلا أجد غير الرافعي. . . أنت. . . والعقاد. . . أين ترى يكون اللقاء؟)
وعلى هذا المثال قرأت لصاحبنا المحامي الشاعر بضع رسائل بينما خلف الرافعي من أوراق، تملأ النفس عجباً ودهشة. وآخر مما وصل إلى الرافعي من رسائله، رسالتان، كتب إحداهما في المساء، وكتب الثانية في صباح اليوم التالي؛ ولولا خط الكاتب، ونوع الورق، وخاتم البريد، لما حسبتهما إلا رسالتين من شخصين لو أنهما التقيا في الطريق لتضاربا بالأكف. . .!
على أن الرافعي مع ذلك كان يرد على رسائله! ووددت لو ينشر صاحبنا بعض رسائل الرافعي إليه!
والآنسة الأدبية ف. ز. معلمة في إحدى مدارس الحكومة كان أبوها زميلاً للرافعي في محكمة طنطا، وكان بينهما صلة من الود، فلما مات لم تنس أبنته صديق أبيها، فكانت تستعينه في بعض شؤونها، ومن ثمة نشأت بينهما مودة، فكانت تراسله ويراسلها، ومن رسائلها إليه كان له علم جديد في شئون وشئون.
صحبته إلى زيارتها مرة في ليلة من ليالي الشتاء، مع الصديقين كامل حبيب وسعيد الرافعي؛ فلقيناها مع بعض صديقاتها، وكانت جلسة طالت ساعات، اعتقد أن الرافعي قد أفاد منها بعض معانيه في قصة (القلب المسكين!). . . وقد أنشأت هذه الرسائل بين بعض قرائه وبينه صلات عجيبة من الود؛ فهو منهم أب وصديق ومعلم ومشير؛ وجلس على (كرسي الاعتراف) فترة غير قصيرة من حياته، تفتحت فيها عيناه على كثير من حقائق الحياة لا يبلغ أن يصل إليها من رحل وطوف. وكان له في كل دار أذن وعلى كل باب