للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

غير العلم إلا إذا امتزجا (قبل أيام)

(رابعاً): (انتهى متكلمة المسلمين إلى أن العالم حادث وانتهى الغربي إلى أنه قديم)، وهذا ما قاله. والمقصود من هذا واضح، وتقرير هذا القول يحمل الناس على تقرير التفاصيل بين العقلية العلمية للغرب وبينهما لمتكلمة المسلمين. هذا صحيح لو كان الكلام صحيحاً، ولو عنى متكلمة المسلمين بكلمة حادث ما عناه حضرة الفاضل. فأنا نعلم وغيرنا يعلم بأن كلمة (حادث) هنا لا تعني ولا تدل على تاريخ زمن معين كأن يقال كذا آلافاً من السنين، وإنما عني متكلمة المسلمين بهذه الكلمة أن العالم حادث بالنسبة للخالق، أي أن الخالق قديم بالنسبة لمخلوقاته، فقرروا القدم الذي لا حد له إلى الله وقرروا الحدثية إلى مخلوقاته

(خامساً): وبعد ذلك فمتكلمة المسلمين (انتهوا إلى أن الخالق مطلق التصرف في الكون منفصل عنه ومدبر له، وأنه السبب لكلَّ ما يحدث والعلة الأولى والأخيرة لكل ما يكون وسيكون). هذا ما قاله حضرة الفاضل، فهل نفي بهذا القول طبيعة العقل العلمي لهؤلاء المتكلمة؟ أليس الدين الإسلامي المرجع الأول لهؤلاء المتكلمة؟ فلماذا نأخذ الناحية السلبية من هذا القول ولا نقرر بأن الدين الذي اعتمدوا عليه كأساس أولى في مذاهبهم الكلامية قد دعاهم إلى أن يسعوا في مناكبها ويأكلوا من رزقه وهو الذي دعاهم إلى ألا يلقوا بأنفسهم إلى التهلكة؟ فإذا كانوا قد اعتقدوا تلك الناحية السلبية فقط من قوله تعالى: (والله خلقكم وما تعملون)، فهل يتناسب هذا الاعتقاد مع حقيقة الواقع وهم إنهم جعلوا للعقل حقه في تقرير مصير صاحبه ثم هل يتفق هذا القول مع كثير من أقوال متكلمة المسلمين كالنظّام والجاحظ وغيرهما في الشك وفي تقدير العقل إلى أبعد حدود التقدير؟

ثم نراه منح العقلية الغربية منحة تأباها وقرر لها مذهباً تنفر منه لأن العقل لا يقره فقال: (انتهى الغربي إلى أن إرادة الله مقيدة بنظام الكون وأفعاله قائمة على عنصر اللزوم والاضطرار).

أي كلام هذا؟ وكلام من هو؟ ومن قال بأن الغربي يعتقد هذا إلا إذا فقد الجانب العلمي من قوى تفكيره؟ للكون سنن ولنظامه نواميس فمن أقرها ومن وضعها؟ أليس هو الله؟ ومن يفكر بأن إرادة الله هي التي تسيطر على هذا الكون؟ أفيكون خالق الشيء مقيداً به وتكون إرادته متعلقة به؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>