فإذا كان بقاء النظام الكوني دليلاً على شيء فهو أن إرادة الله لم تتغير وأنه أراد الكون على حاله. فإذا تغير هذا النظام الذي أراده الله اعتقدتم بأن هذا النظام مقَّيدُ بإرادة الله إذا فلتنتظروا.
(سادساً): في نظر الغربي (أن في قدرة الإنسان تغيير القدر له عن طريق معرفة النواميس المحَكمة في وجوده) أهذا كلام يقال؟ فلا هو منطق ولا هو علم، ولا هو حقيقة ولا هو خيال. رجل لا يعلم ما قُدَّر له فكيف يكون قادراً على تغييره؟ ثم هب بأنه علم ما قدر له كأن أوحى الله له بذلك أفيكون قادراً على تغيير ما أراد الله وتكون إرادة الله؟ نحن لا نفهم من هذا القول إلا أنه كفر من ناحية دينية وكفر آخر من ناحية عقلية؟ وكفر ُواحد عظم في حد َّذاته فكيف بالكفرين؟
إذا كانت علوم الغرب دليلاً على عقليتهم فإلى أي حد انتهوا في علومهم؟ كان يقال قديماً بأن مَن بحث في العلوم الطبيعية ابتعد عن الخالق، واليوم يقال بأن كل من امتهن هذه الصنعة وسلك هذا الطريق فلا شك بأنه يسير بخطى واسعة نحو الخالق إن كان كافراً به.
فهؤلاء علماء مادة الحياة كلما عجزوا عن تفهم سر شيء ازدادوا إيماناً بأن قدرة عليا فوق قدرتهم واتفقوا على غير موعد بأن إرادة الخالق قد أخضعت كل النواميس لها، ونحن ما علمنا ليومنا هذا إلا ما أراد الله لنا أن نعلم. أفيذهب بنا الغرور إلى حد تقييد الله بشيء خلقه؟
(سابعاً): (ثم المسيحية هي التي سادت أوربا في العصور الوسطى فنزعت بها منزع التفكير المعروف) الواقع يقرر عكس هذا، إذ ليس في الدين المسيحي ما يقرر ذلك الجمود في القوى الفكرية كالذي ساد في العصور الوسطى.
نحن نعلم بأن المسيحية وجدت في الشرق فكانت سبباً إلى حد كبير في توجيه منازع التفكير المختلفة من روحية واجتماعية وخلقية فقامت بنصيبها من الإصلاح، وسارت المسيحية بتعاليمها إلى الغرب ذاته وكانت حاله أسوأ حال فهذبت من نفوس أقوامه ما ساعدتها طبيعتهم الخشنة وعقليتهم السميكة. وخنقت المسيحية في الدير والكنيسة تراث اليونان والرومان وغيرهم فقدمت للتاريخ العلمي خدمة لا تقدر بقيمة. وبعد هذا لم تكن المسيحية ولم تكن روح النسك الشرقية التي جاءت معها سبباً فيما ساد العصور الوسطى