يفهم حقيقة الحياة ويتمتّع بالعظمة الكامنة فيها إن الاهتمام بإيجاد الطفل الصالح أولى من العمل لأعداد العلم والتهذيب لطفل نصقل مظاهره صقلاً وتتحطم كل محاولة للنفوذ إلى علته المستقرّة فيه منذ تكوينه)
(ليس الفقير المتسول، ولا العليل المتألم، ولا الشيخ الهرم يتمَّشى بلا سند إلى قبره. ليست المرأة المستعبدة بلقمة ولا الفتاة المخدوعة المنطرحة على أقذار المواخير، ليس كل هؤلاء الناس الأشقياء في الحياة بأشقى من الأطفال يجور عليهم آباؤهم وأمهاتهم قبل أن يقذفوا بهم إلى الوجود ويرهقوهم بالقطعية والإهمال بعد أن يدرجوا عليها بأقدامهم الناحلة المتعثرة. . . الرجل الذي يمسخ حبه الواحد شهوات متعددة، والمرأة التي تتقصف متهتكة ماسخة هيكل نسمات الله مركعاً لنفايات البشر من عبّاد الخيانة والطيش، إنما هما آدم وحواء مطرودَين من الجنان إلى أرض الجهود المضيعة َّوالآلام المحتّمة، ومن يدري أن حديث معصية الأبوين ليس رمزاً لخيانة الحب، تلك الخيانة التي تنزل اللعنة بمرتكبيها وبأبنائهم من بعدهم. . . ويلُ للرجل الذي يهدم بيديه سعادته وسعادة أبنائه، وويل للمرأة التي تدنس منبت أطفالها)
ليس في تمهيد موجز كهذا مجالُ لبحث فلسفة نيتشه التي شغلت كبار كتاب القرن التاسع عشر ولم يزل الفلاسفة يكتبون عنها إلى اليوم، غير أن ما تناولناه إلماماً من نظريات نيتشه يكفينا لتحديد ما يجب أن نغفله منها دون أن ننتقص من قدر هذا العبقري لأنه اقتحم أسرار الكون معتمداً ذاته فعاد عن هذه الأسرار مدحوراً. وهل من كاتب قبله أو بعده تمكن من حل ألغاز الوجود والوقوف منها عند عقيدة صريحة تستغني عن الإيمان بالقوة الخفية المتعالية عن التعليل والتحليل؟ حَسْبُ نيتشه في موقف حيرته، وما هي بالدرجة الوضعية على سلم التفكير، أن يهتك سريرته أمامك دون أن يلجأ إلى إعمال السفسطة لإيجاد وحدة ظاهرية وتناسب ٍمزّيف في صرح تفكيره، حسب أن أندفع وراء المثل الأعلى الكامن في (إرادة القوة) تبعاً لتعبيره وفي نفس الإنسان الخالدة تبعاً لعقيدة المؤمنين، فبسط أمام المفكرين من مشاهد المجتمع ومن مسالك الأرواح على معابر الأرض ما لم يلمحه سواه من المنشئين.
إن ما ترانا بحاجة إلى الوقوف عنده من فلسفة نيتشه في كتاب زرادشت الذي لم تفته