قضية اجتماعية لم يقل فيها كلمة كان لها دويها في العالم الغربي، إنما هو هذه المبادئ التي تجتث ما غرست قرون العبودية في أوطاننا من استكانة حولت إيمانها إلى استسلام في حين أن روح شرعتها يهيب بالنفس إلى الجهادين في سبيل الوطن والإنسانية جمعاء.
إن الدين الذي يهاجمه نيتشه إنما هو صورة لأصل شوهها الغرب، وما علَّم هذا الدين أن الحياة معبر على المؤمن اجتيازه وهو مُعرِضَ عن كل ما حوله معلق أبصاره على باب قبره. بل علم أن الحياة مرحلة من أشواط الآزال والآباد وما تطهر أنفسَ لم تحترق أجسادَها ولم تَعد صلاحاً لباقياتها بإصلاح زائلاتها.
ليس نيتشه إذا مبدع فكرة التكامل للإنسان على الأرض فإن التكامل مبدأ جعلته الأديان السماوية أساساً لكل وصية تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر، غير أن الدين قد أراد للإنسان تكاملا ًروحياً يهيئه إلى أدراك بارئه وراء المحسوس في حين أن نيتشه، وقد أنكر مالا تقع الحواس عليه، أراد أن يفلت الإنسان من حدود إنسانيته على الأرض فيجعلها جنةَ خلدٍ يستوي عليها بجبروته إلهاً. . .
وقد عزب عن هذا الفيلسوف أن المخلوقات كلها في سلسلة الوجود لا تملك الانعتاق من حدود أنواعها، ومهما كرَّت القرون وتعاقبت الأجيال لا يمكن للجماد أن يفلت من مملكته إلى مملكة النبات، ولا للنبات أن يجتاز حدود مملكة الحيوان، ولا للحيوان أن يجتاح مملكة الإنسانية.
لذلك الذاهب في طلب إنسان يتفوق على الإنسانية كالمحاول استنبات الشجرة حيواناً أو استبدال الحيوان إنساناً. لقد كرت القرون على مبدأ التاريخ الذي نعلم وعلى ما لا نعلم من حقبٍ كرَّت ما ورراه، والإنسان لم يزل هذا المخلوق الدائر أبداً ضمن حلقة إنسانيته.
لقد كان نيتشه من المعتقدين باستحالة الأنواع حين صرخ بلسان زرادشت وهو يخاطب الحشد في الساحة العمومية:(لقد كنتم من جنس القرود فيما مضى. على أن الإنسان لم يفتأ حتى اليوم أعرق من القرود في قرديته)
ولكنه بالرغم من هذا يصرح بأن هذا النوع القردي وهو الإنسان لم ينسلخ عن أصله، فكيف زين له خياله أن في هذا النوع إنساناً فائقاً لا يزال كامناً منذ البدء ينتظر قدوم فيلسوف في أواخر القرن التاسع عشر يستجلي هذا الجبار ويبعثه بإرادة جديدة تتسلط لا