الشعر أكثر مما يسمو بهما، ويمتاز به الكميت ابن زيد على شعراء عصره جميعاً.
وكان يوجد إلى جانب هذه الطائفة المتعصبة للكميت طائفة أخرى من الأدباء والشعراء تتعصب عليه وتقدح في شعره، ومن هؤلاء المتعصبين عليه بشار بن برد، وكان يقول: ما كان الكميت شاعراً، فقيل له كيف وهو يقول:
أنصفُ امرئٍ منْ نصف حيٍ يسبني ... لعمري لقد لاقيتُ خطباً من الخطبِ
هنيئاً لكلبٍ أن كلباً تسبني ... وأني لم أرددْ جواباً على كلبِ
لقد بلغتْ كلبٌ بسبيَ حظوةً ... كفتها قديماتِ الفضائح والوصبِ
فقال بشار: لا بَلَّ شانئك، أتري رجلاً لو. . . ثلاثين سنة لم يستملح منه شيء؟
وقد كان مذهب بشار من الشعر إيثار اللفظ السهل على العويص، وكان في هذا قدوة من أتى بعده من الشعراء المولودين، والكميت يخالفه في هذا المذهب مخالفة تامة. قال محمد بن أنس الأسدي، حدثني محمد بن سهل راوية الكميت، قال سمعت الكميت يقول: إذا قلت الشعر فجاءني أمر مستو سهل لم أعبأ به حتى يجئ شيء فيه عويص فأستعمله.
ومن هنا يجئ تحامل بشار على الكميت. وعندي أنه لا يصح أن يقدح في الشعر أن تكون ألفاظه سهلة أو عويصة، فلكل من ذلك مقامة في طباع الشعراء وتمكنهم من اللغة وغريبها، وكذلك ما يحيط بالشاعر من ظروف الزمان والمكان وغيرهما.
وممن كان يتعصب على الكميت أيضاً رؤية بن العجاج، وقد ذكر المبرد عن رؤية أنه قال: قدمت فارس على أبان بن الوليد البجلي منتجعاً له، فأناني رجلان لا اعرفهما فسألاني عن شيء ليس من لغتي فلم أعرفه، فتغامزا بي، فتقبعت عليهما فهمدا. ثم كانا بعد ذلك يختلفان فيسمعان مني الشيء فيكتبانه ويدخلانه في أشعارهما، فعلمت انهما ظريفان، وسألت عنهما فقيل لي: هما الكميت والطرماح
وكان ذو الرمة يرى في الكميت ما يراه فيه رؤية بن العجاج، وقد أتى الكوفة فلقيه الكميت فقال له: إني قد عارضتك بقصيدتك، قال أي القصائد؟ قال: قولك:
ما بالُ عينك منها الماءُ ينسكبُ ... كأنه من كلى مفريةٍ سَربُ
قال: فأي شيء قلت؟ قال قلت:
هل أنتَ عن طلب الأيفاعِ منقلبُ ... أم كيف يحسن من ذي الشَّبية اللَّعِب