غير أن والي المنصور على مصر استطاع أن يحيط أعمال على وأعمال من ناصروه، وظل على ذلك حتى وصل إلى مصر خبر وفاة إبراهيم بن عبد الله فسقط في يد الشيعة، وانطفأت جذوة الثورة. ولا يعلم المؤرخون ما آل إليه علي بن محمد بن عبد الله
كذلك كان لجند مصر نصيب كبير في الفتنة التي قامت بين الأمين وأخيه المأمون شأنهم في الفتن الخارجية التي كانت تنشب بين الخلفاء والخارجين عليهم أو المنافسين لهم، وغدا اشتراك هؤلاء الجند في الثورات مألوفاً لديهم، حتى في الأحوال التي لم يكن لمصر ثمة ما يدعو إلى الاشتراك فيها
ولسنا ندري ما الباعث الحقيقي الذي كان يدفع هؤلاء القوم إلى الزج بأنفسهم في غمار هذه الثورات. ولا شك في أنه لم يكن لهذه الثورات علاقة ما بالعصبية العربية التي جاء الإسلام ماحيا لها، وإن كانت قد ظهرت في مواطن كثيرة بعد الإسلام. ويظهر أن الجند العرب كانوا لا يزالون مرتبطين بدار الخلافة بروابط الجنسية أكثر من ارتباطهم بمصر نفسها، إذ لم تكن القومية المصرية قد شملت بعد المصريين من القبط والعرب جميعاً. غير أن الأمر الذي يسترعي النظر ما رواه الكندي من أن مصر كانت حين قام النزاع بين الأمين والمأمون في أمن ودعة، وكذا كانت راضية عن واليها جابر بن الأشعث الطائي، وعن حكمه، وأن هذا الوالي كان محبوباً لدى الخاصة والعامة في هذه البلاد
على أنه سرعان ما احتدم النزاع بين الأمين والمأمون بسبب ما كان من خلع الأمين أخاه المأمون وترك الدعاء له على المنابر وتوليته عهده ابنه موسى بدلا منه حتى غضب العرب في مصر وغيرها، وتكلموا في خلع الأمين لنكثه العهد الذي تركه أبوه الرشيد وأودعه الكعبة الشريفة، وهذا كاف وحده لإثارة سخط الناس عليه. وظهر في مصر السري بن الحكم الذي استغل هذا الظرف لنفسه لإعلاء شأنه ورفع ذكره، إذ كان منذ أتى مصر في أيام الرشيد خاملاً لا حيثية له. فدعا إلى المأمون فبايعه نفر يسير. ولكنه ظل على نشاطه في نشر الدعوة حتى دعا المأمون أشراف مصر إلى بيعته فأجابوه سرا. وأتى كتاب هرثمة بن أعين أحد قواد المأمون المعدودين إلى وكيله على ضياعه بمصر وهو عباد بن حيان، فقرأ هذا الكتاب (كتاب هرثمة) على ملأ من الجند في المسجد ودعاهم إلى خلع الأمين فأجابه السواد الأعظم منهم وخلعوه (جمادى الآخرة سنة ١٩٦هـ)، ثم بايع الناس