فأما حين يطلبون الرصانة وقوة الأسر وجزالة الأسلوب وفخامة التعبير، فإن الجزء الأول من ديوان العقاد يجيبهم إلى طلبتهم في عدة قصائد أذكر منها (وقفة في الصحراء) وفيها يقول:
هضابكِ أم هذي أواذيَّ عيلم ... وهل فيك من ورد لغير التوهم
تخايلت كالدنيا وأقفرت مثلها ... فلا تخدعني إنني لست بالظمى
أيا ربة الآل الحلوب وإنما ... إلى الآل ركب الناس جمعاء فاعلمي!
خلوت فلا آثار حيٍّ ثوابتٌ ... عليك ولا آثار ميت معظم
نَبا بِكِ عن حال العمار وضده ... شِماسٌ فلم تبنى ولم تتهدمي
تشابهت الأيام فيك فلم يكن ... إلى السعد يومٌ أو إلى النحس ينتمي
صحارى من الدهر الفسيح جديبة ... كعهدك لم تعبس ولم تبتسم
لَفيكِ وإن طال الزمان غوارب ... على الناس أخفى من غوارب أنجم
أضاءت عليها النيرات ولم تزل ... هنالك في ليل من الغيب أيهم
إلى أي ركن فيك يلجأ هارب ... وفي أي ظل من ظلالك يحتمي
تسدين أرجاء الزمان بحاصب ... من النار موار العجاجة مظلم
تثور كأفواج الدخان تطلعت ... إلى عُلْو من قاصي قرار جهنم
إذا ما رآها الوحش ولى كأنها ... من النقع تجلى عن خميس عرمرم
يلوذ ببطن الأرض والأرض جمرة ... خياشيمه م القيظ يبضضن بالدم
ويذهل حتى يفلت الليث صيده ... ولا تفرق الغزلان من ناب ضيغم
وما سكنتها الوحش إلا لأنها ... أحب إليها من جوار ابن آدم
وقفت عليها والمطايا تقلنا ... مطايا ثمود قبل ذاك وجرهم
ذميلاً وإرقالا وما تستحثها ... سياط سوى الرمضاء أيان ترغى
فقلنا بأوجار الضباع فأكرمت ... على البعد مثوانا ولم تتقدم
كرامة مضطر ويا رب طارئ ... يكرمه من لم يكن بالمكرم
هذه أو قصيدة (ليلة نابغية) حين يقول:
إلى أي قولي قائل أنت أميل؟ ... وعن أي حاليك العشية تسأل؟