للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عدد مايو من هذه السنة: (إن في بذل البيان لتفكير الغير كثيراً من التضحية لكاتب أندغم تفكيره في بيانه، لأن هذا البذل يستلزم إقامة حاجز بين القوة المبدعة مما كمن فيها تذكاراً وتنسيقاً، علماً بالاستقراء وعلماً بالحس الباطني، وبين قوة التعبير تصويراً وتلويناً وتنغيماً. وفي هذا الفصل من الجهد ما لا يدركه إلا من يعانيه، ولا يعاني هذه المشقة كل من يقتحم الترجمة إطلاقاً؛ فان من الترجمة ما لا تتعدى الاقتدار على النسخ، وليس هذا النوع ما نعني، فالمترجم الذي ينقل كتاباً يبحث في صناعة أو مسألة اقتصادية لا يكون عمله إذا امتلك ناصية اللغتين إلا عبارة عن كتابة ما سطرته الريشة من الشمال إلى اليمين بكلمات يخطها القلم من اليمين إلى الشمال، ولمثل هذا العمل قيمته ولا نكر، غير أنه جد بعيد عن مجال البيان الأدبي، وليس فيه غير أثر الجهد والاطلاع والدقة، إذ لا يمكن أن يتضمن شيئاً من شخصية المترجم الأدبية

شتان إذن بين من يترجم ومن يسلخ إنشاءه عن تفكيره ليكون هيكلا سوياً من البيان تحتله روح مؤلف مبدع فنان)

ومهما يكن قيمة هذا الرأي فان عنصراً من الحق في بيان منحى الترجمة عند أديبنا. إذن فلنا أن نتساءل - ويكون لتساؤلنا محله - عن العناصر التي تكافأت بين هذين الأثرين البيانيين وبين نفس المترجم، حتى كبد نفسه جهد إسكات ما فيه من القوة المبدعة، وعمل راضيا على إعارة بيانه بلغته لتفكير غيره؟

إن في الإجابة على هذا السؤال حل مشكلة ترجمة أديبنا لهذين الأثرين دون غيرهما من تراث الأدب والفكر الغربي!

أما (الاعترافات) فهي قصة حب (الفريد دي موسيه) لـ (جورج صاند) وهي تمتاز بعمق الاحساسات وزخور المشاعر، ولكن فكرتها وخيالها ضعيفان. ذلك أن (الفريد دي موسيه) كان (رومانيا) يغلب شعوره عقله واحساساته تفكيره، ومن هنا كان لا يقدر على التحليق في أجواء الخيال. . . وهذا الطابع الذي يسم (الاعترافات) هو الذي تجاوب مع نفس المترجم، ذلك أنه من طراز المؤلف في طابعه الشخصي

هذا إلى أن القصة وإن لم يكن لها مقام يذكر في تاريخ الفن القصصي، فان أديبنا المترجم فتن بما فيها من إحساس صادق ووصف جميل، هو كل ما للاعترافات من ميزة. ومن هنا

<<  <  ج:
ص:  >  >>