للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تجد أن المترجم نزل عن بيانه لموسيه راضياً. ذلك أن الصور والاحساسات التي منها توسيعه في كتابه قريبة من نفس المترجم ليست غريبة عنه، فهذا موسيه يرى مع فليكس فارس أن داء العصر - الذي حاول موسيه أن يصوره في مستهل كتابه فأخفق - نتيجة للمدنية الآلية. وهذا الداء ظاهرة من ظواهر اليوم في جيل شباب هذا الشرق العربي. . . ومن هنا أعتقد أن المترجم رأى في الاعترافات علاجاً أدبياً لداء العصر. ومن هنا نرى أن فليكس فارس لم يترجم كتاباً بترجمة (الاعترافات) إنما وجد في الفريد دي موسيه من يعبر عن احساساته وأفكاره تعبيراً صادقاً في (الاعترافات) فنقلها للعربية وكأنه ينشئها من نفسه

إذن فليس لنا أن نعيب على المترجم نقله كتاب (الاعترافات) إلى العربية، مهما كان رأينا في الاعترافات، ذلك أن الأفكار والاحساسات المبثوثة في (الاعترافات) تنبع من صميم نفس المترجم. فكل اعتراض عليها اعتراض على طبيعة بشرية!

أما كل ما يمكن أن يدار من البحث حول ترجمة الاعترافات فهو مقدار نصيب الترجمة العربية من روح الأصل الفرنسي، ونحن نعتقد اعتقاداً أولياً أن المترجم مهما يكن مقدار تصرفه في الترجمة، فان روح الاعترافات في أصلها الفرنسي لا شك قوية واضحة في الترجمة، ذلك أنها لا تنزل من المقدرة على الترجمة وإنما تنزل من روح المترجم

أما كتاب (زارازوسترا) لفردريك نيتشه، فان بعض الصعوبة يبدو للنظر إذا حاولنا أن نثبت وحدة المزاج بين الفيلسوف الألماني والمترجم العربي، ذلك أن المؤلف مشهور بتجديفه والمترجم مؤمن مشهور بإغراقه في التدين. . . وأين الإلحاد من الإيمان؟

ولكن لو نظرنا للبواطن، فأننا نجد وحدة في المزاج بين المؤلف والمترجم، هذه الوحدة تقوم على الإغداق والطبيعة الفنية، ذلك أن نيتشه فلسفته ليست نتيجة لقريحة فلسفية إنما هي تجربة الدنيا أملت على طبيعته الفنية ما أملت. . . ومن هنا كان نيتشه فناناً أكثر منه فليسوفاً. وروحه الفنية قديمة، وللطابع العبري نتيجة، لتأثره بالآداب العبرية التي تبحر فيها. وهذه الروح السامية هي التي أخذ بها المترجم، بما فيها من الحقائق إزاء الوحدة المتجلية للكون في روح الفيلسوف الفنان. ومن قبل التفت الأديب الناقد عباس محمود العقاد في دراسة سريعة له للمتنبي إلى أوجه الشبه بين نيتشه والمتنبي، ورأى لهما فلسفة في الحياة واحدة، نتناول سننها وصروفها، ولا تتناول مصادرها ومصائرها. ولقد وقف

<<  <  ج:
ص:  >  >>