للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

اللفظ

وإني أرثي للذين لم يعرفوا الإلهية إلا من ألفاظ الكتب! ولأن الناس صاروا يأخذون عقيدتهم في الإلهية من الكتب ومن الأفواه، اختلفوا وتفرقوا وتباينت الصور التي في رؤوسهم منها. ولو أنهم أخذوها مباشرة من الطبيعة الواضحة الواحدة، التي ليس في كلماتها انحراف في الوضع، ولا إبهام في الدلالة، ولا نقص في الموسيقى. . . لاتفقوا وتلاقوا على فهم المعنى الواحد الذي يملؤها، كما كانوا أول زمانهم قبل تشعب الكلام بهم، ووجود ميراث من الكلمات المغلوطة التي تمحو طابع الفطرة البسيطة التي لا تعرف الرموز ولا تستغني بها عن النماذج الواضحة التي تملأ الطبيعة

ويا لله من جناية الناس على وسائل إنقاذهم ورفعهم من حضيضهم!

إن الملهمين والعلماء يفتحون لهم أبواب أقفاصهم وسجونهم حتى ينطلقوا ويفروا منها إلى الطبيعة. ومن الطبيعة تفد عقولهم إلى خالقها وصاحب المشيئة الغالبة عليها. ولكن الأغبياء والمحدودين من الدعاة يعودون بهم ثانياً إلى الأقفاص والسجون ويسدون أبوابها بالأوثان والأنصاب والصور والرموز، ويلهونهم بالخرافات

وعندئذ تموت وتنطمس الكلمات الحية المنيرة، فينطقون بها ويخيل إلى رائيهم من ذوي البصائر أنهم يلفظون حجارة أو جثثاً ميتة للمعاني الكريمة. . .

وإذا انقلب الوضع فصار الراعي يهتدي بالقطيع، فهنالك ضياع الجميع. . .

وهنا أسأل:

لماذا لا تخدمون الإيمان أيها الكتاب الموهوبون فتخدموا بذلك أقلامكم وتخدموا الحياة والفن؟

لماذا تلسعكم النار وتتحول أقلامكم إلى عقارب تلقونها بسرعة من أيديكم إذا ما سجل أحدكم كلمة مؤمنة؟

أنا أعرف السبب. أعرفه وأعزو إليه كل هذا الضعف: هو أنكم تأنفون من أحاديث العوام والعجائز والفقراء الذين جعلوا الإيمان غذاءهم وعزاءهم لأنهم فقدوا كل شيء سواه. فهم يعتزون به ويتزيدون فيه بأحلام المحرومين. فمن هنا تراكمت في نفوسكم (عقد نفسية) خفية في العقل الباطن تعقل أقلامكم عن الخوض في المعاني العامية. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>