للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لتشهد (هاملت) أو (سان جان داراك) فلست بمدرك ما في كل ذلك من الجمال إلا إذا وهبت نفسك لتلك العقيدة الشعرية. وربما علمت أن (هاملت) لم تحدث في التاريخ، وأن بعض وقائعها قد يكون محالاً، وأن شبح الملك المقتول الذي يظهر فيها إن هو إلا ابتكار أتى به الخيال؛ ربما علمت كل ذلك ولكن أحسبك لا ترضى - وأنت مأخوذ بسورة الجمال - عن إنسان يحاول أن يقول لك إن هاملت لم تحدث وإنها كلها لغو من عمل الخيال. ذلك بأنك تحاول وأنت تشاهدها أن تمارس ذلك الخيال ممارسة شعرية فيحلو لك أن تنسى عقيدتك العلمية، ويحلو لك أن تؤخذ أنت بالعقيدة الشعرية وأن تخدع لأن ذلك الخداع في نفسه جميل. وهذا هو الذي يحدث بين جنوبنا حينما نبكي عند رؤية المأساة، وهو الذي يضحكنا عند مشاهدة المهازل والمباذل على الستار الفضي

يروى عن سيدة أنها كانت تشاهد (عطيل) على المسرح. وحينما مضى الفصل الأول والثاني وجاء دور الوقيعة التي قام بحبكها ياجو تأثرت السيدة تأثراً شديداً لأنها رأت أن ياجو يغرر بعطيل تغريراً. فصاحت بعطيل: (إن هذا الملعون يخدعك أيها الأسود الغبي) وفعل مثل ذلك أحد النظارة حينما رأى القوم يأتمرون بيوليوس قيصر، فقد حاول أن يطلع قيصر نفسه على سر المؤامرة. ومثل السيدة والسيد كثير بيننا. بل في الحق أننا جميعاً مثل ذلك لأننا نكون مأخوذين بنوع من أنواع الخداع حينما نشاهد القصة المسرحية

ومثل ذلك يقال عن القصص الأخرى والروايات وعن الملاحم الشعرية الطويلة، فعلى قارئ هؤلاء أن يكون له من الإيمان الشعري ما يطوع له أن يرى نواحي الجمال فيها وما يستطيع به أن ينكر الواقع وأن يحسب الخيال واقعا. وفي الحق أن هذا أظهر ما يميز البيئات الأدبية التي ازدهرت فيها القصص المسرحية والشعر والروايات الأدبية الأخرى. والقصيدة الشعرية هي التي تفسر لنا كيف كان الناس يؤمنون أيام شيكسبير بتلك القصص التي صاغها للمسرح مع ما في أكثرها من خروج عن جادة المنطق السليم. بل نحن لا نستطيع أن نفهم رجلاً كشيكسبير إلا إذا قدرنا غرام بيئته بالشعر المسرحي وبالقصة المسرحية. ولا يمكننا أن نقدر كل ذلك حتى نزن عقائدهم الشعرية

وفي الحق أن شيكسبير قد أفلح في خلق مسرحياته لأن القصيدة الشعرية ملكت نفوس الناس في عهد اليزابيث. كان هؤلاء هم الذين يدفعون المال ليشهدوا المسرحيات، وكان

<<  <  ج:
ص:  >  >>