للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ألأجل غنيمة يهجر الإنسان بيته ووطنه وماشيته وثروته، ليكافح أهله، ويناوئ عشيرته. . .؟ كلا. . .! ثم كلا. لقد خرج هؤلاء على أهلهم من أجل دعوة سامية، وما قاتلوا وجاهدوا إلا في سبيل الذب عنها (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)

أرأيت كيف أن الإسلام لا يبيح الاعتداء مطلقاً، ولا يوجب القتال في سبيل الله إلا دفاعاً. . .؟!

لقد هاجر المسلمون عن بلادهم إلى يثرب هرباً بعقيدتهم السامية من أن يئدها الشرك، وهي لما تؤد للعالم رسالة الحق والتوحيد. وهناك في يثرب تعاود النفوس عنجهية القبيلة، وشنشنة الجاهلية؛ ويكاد الشر أن يستفحل بين المهاجرين والأنصار، لو لم يتدارك النبي (ص) الموقف فيقف فيهم منادياً: (يا معشر المسلمين: الله الله. اتقوا الله. أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله إلى الإسلام، وقطع به عنكم أمور الجاهلية، واستنقذ كم به من الكفر وألف بين قلوبكم)

أرأيت نبل هذا الخطاب وسموه؟ لم يقل أيها المهاجرون! ولا أيها الأنصار. . .! فليس في الدين قبائل ولا عشائر، وإنما الجميع إخوة، ففيم إذاً نخوة الجاهلية، وحزازات الصدور، وشنشنة النفوس. . .؟ وفيم القتال في غير سبيل الله؟

ولقد اقترح بعض الصحابة على النبي بعدما استقروا في المدينة أن يأذنوا قريشاً بالحرب، ويقاتلوها ويجزوها شراً بشر فيشفوا صدورهم مما تجد عليها، فدعاهم النبي إلى السكينة، وقال لهم: (لم يؤذن لي بالقتال بعد)

فأي إنسان بشرى تناله قريش بمثل ما نالت به النبي (ص) ويكون في بطانة قوية أطوع له من بنانه، ثم تعرض عليه أخذ الثأر له فيدعوه إلى الهدوء والسكينة، لأنه لا يقاتل طلباً لثأر، ولا شفاء لغيظ، بل استجابة لأمر ربه، وهو لم يأمره بالقتال بعد

وظن بعض الجاهلين أن النبي إنما استمال اليثربيين بما توعدهم به من المغانم المادية، والأسلاب العظيمة، وهم في ظنهم هذا أبعد ما يكونون عن الحق. وحاشا للنبي أن يشحن النفوس بمثل هذه الأماني الباطلة الفانية (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) وإنما أغراهم بشيء أسمى من المغانم، وأسمى من الذهب

<<  <  ج:
ص:  >  >>