وكان القواد في الميادين يبذلون ما في وسعهم لا يألون جهداً للوصول إلى النصر، ولقد كان لبعضهم خطوات موفقة في هذا السبيل ونذكر من هؤلاء جرانت الذي سوف يعظم شأنه حتى يصبح رجل هذه الحرب
أما ماكليلان فقد ظل على حاله يدرب جنده، ويطلب المزيد من الفرق، والرئيس صابر على ذلك لا ينفد صبره وإن أوشك أن ينفد صبر الناس، فلقد كانوا يستعجلونه الزحف على رتشمند عاصمة الجنوبيين
ومع أن الرئيس قد أمره بالزحف في نهاية يناير عام ١٨٦٢ أي بعد نحو تسعة أشهر منذ بدأت الحرب، فاإه لبث مكانه حتى شهر مارس ثم أخذ يتحرك ولكن في بطء وحذر مما دعا الرئيس أن يطلب إلى وزير الحربية أن يستحثه ولكن ما كان أعظم دهشتهما حينما كتب إليهما ذلك القائد يطلب المزيد من الرجال، وحجته في ذلك أن العدو متكاثر أمامه
وفي مثل هاتيك الظروف التي كانت تتطلب من الرئيس ما أشرنا إليه من جهد يأبى القدر إلا أن يصوب إليه سهماً يصمي مهجته ويوشك أن يذهب بلبه ويزعزع فؤاده، فلقد غالت المنية أصغر بنيه وهو صبي في العاشرة من عمره. ولقد كان وأخاه يزوران مستشفى من مستشفيات الحرب فسرت إليهما العدوى، ولم يقو الصغير على المرض فذوى كما تذوي الزهرة ولدت مع الصبح ولم يكن لها إلا مثل عمر الندى. . .
لقد ارتاع الرئيس ووهى جلده أمام تلك المصيبة ورأى الناس ذلك الطود الأشم بتمايل ويتخاذل من الوهن وهو لا يستطيع أن يخفي عن الناس جزعه ولوعته؛ وإنه ليجهش بالبكاء كما يجهش الصبي وفي عينيه حزن وحسرة وفي وجهه صفرة كصفرة الموت. . علم من الممرضة أنها فقدت زوجها وولديها فسألها ذلك العملاق الذي يحمل عبء قومه كيف تحملت تلك المصائب؟ فأجابته أنها تحملت ضربات الدهر ضربة ضربة وأنها تثق في رحمة الله فمنه العزاء والسلوان. . . وهنا يجيبها ذلك الرجل العظيم الشديد البأس أنه سيحاول أن يتعلم الصبر منها وأنه يثق أيضاً في رحمة الله وأن الله سيهبه العزاء ثم يردف قائلاً (أتمنى لو كان لي مثل إيمان الأطفال هذا الذي تتحدثين عنه). . . ويعبر عن مبلغ حزنه بقوله (إنها أعظم محنة لاقيتها في حياتي. . . لم كان هذا؟ لم كان هذا؟).
ولقد كان الرئيس لنكولن في محنة قومه ثبت الجنان حتى لتتزعزع الجبال ولا يتزعزع،