للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ولكنه كان مع ذلك رؤوفاً عطوفاً يكره الحرب ويتألم منه أكثر مما يتألم الناس جميعاً، ويتمنى أكثر مما يتمنى غيره أن تضع أوزارها في أقرب وقت. . . ولذلك كان ينكر على المتشددين تشددهم، ولا يقر أحداً على قسوة أو يطاوعه في صرامة، فإذا أنس الرئيس من محدثه غلظة على العدو تجهم له وأشاح عنه، في حين أنه كان يقبل على من يطلب إليه اللين والمغفرة وهو يقول له وللناس جميعاً أنه يمقت تلك الحرب من أعماق قلبه وإنه ما دخلها إلا وهو موقن أنها شر لابد منه، وما أراد بها إلا أن تكون علاجاً لمعضلة باتت تهدد كيان بلاده. . . أما أن تكون انتقاماً وعلواً في الأرض واستكباراً فليس هو من ذلك في شيء. . .

وكثيراً ما كان يصدر من الأمر ما يتعجب منه القواد ولا يشيعونه الرأي فيه ولأن نفذوا ما أمر به. ساقوا إليه في تلك الأيام شاباً حكم عليه أن يرمى بالرصاص لوجوده نائماً في الخطوط وكانت عليه الحراسة؛ فسأله الرئيس عن سبب نومه فعلم أن ذلك كان بسبب الإجهاد فإنه كان متعباً من قبل وأخذ الحراسة بدل زميل له مريض. وهنا صرفه الرئيس ولم يرض أن يكون جزاء اجتهاده ومروءته الإعدام. . . وما قيمة قوانين الحرب عنده؟ إنما هو يستمد قوانينه من قواعد الإنسانية، ولذلك تراه يصبح بالقواد (إني لا جلد لي أن أفكر أنني ألقى الله ودماء هذا الشاب المسكين على يدي). . .

أجاب الرئيس ماكليلان إلى ما طلب وأمده بالرجال لكي لا يكون للقائد حجة عليه، فلقد كان يشيع في الناس من أول الأمر أن عدم تحرك القائد إنما يرجع إلى أن الحكومة تضن عليه بالمال والرجال. . . ولقد كتب إليه الرئيس خطاباً كان مما جاء فيه (أحسب أن القوات التي سيرت إليك قد بلغتك؛ وإذا كان الأمر كذلك فإنك الآن في الوقت الذي ينبغي أن تضرب فيه ضربة. . إن العدو بتأخرك يكسب نسبياً)

ولم يسع القائد إلا أن يصرح في رسالة له أنه واثق بعد من النتيجة وأنه أخذ في الزحف، ولكنه في الوقت نفسه أخذ يشكو من المطر الهطال ومن الطرق الوعرة، فكان هذا هو جهد ما فعل. . . وأخيراً لم ير الرئيس بداً من أن يبرق إليه في الخامس والعشرين من مايو يقول: (أظن أنه قد أزف الوقت لكي تهاجم رتشمنذ أو تدع هذا العمل جانباً وتأتي للدفاع عن وشنجطون)

<<  <  ج:
ص:  >  >>