على أن لنكولن كان بمصانعته ماكليلان على هذا النحو يظهره على حقيقته ويكشف للناس عن مواطن ضعفه، بينما كان هو يبهرهم بقوة صبره، تلك الخلة التي كان لها أعظم الأثر في إنقاذ البلاد من الخطر في تلك الأيام العصيبة، وأي صبر هو أعظم من هذا الصبر في زمن توالت فيه على الرئيس المهموم والشدائد؟
لقد كان إبراهام يتلقى الأنباء عن عدد القتلى والجرحى وهو أكثر الناس إشفاقاً وجزعاً، ولقد كان يسأل عن العدد من الفريقين المتحاربين لا من فريقه فحسب فيحزن لهؤلاء جميعاً، كأبناء أمة واحدة
ولقد كان الرئيس يذرف الدمع على ما يصيب رجاله في تلك الحرب الهائلة. ذهب ذات مرة إلى مقر أحد الجيوش فلعلم بموت صديق له كان من جلسائه في سبرنجفيلد، فأسرع إلى العودة مضطرباً يداه على صدره كأنما يمسكه أن يتصدع، وعيناه تفيضان، وعلى وجهه شحوب وكدرة، وإنه ليسير بين الجنود لا يلتفت إلى تحياتهم فلا يردها من شدة الغم وتكاد لا تقوى على حمله رجلاه. .
وفي تلك الأيام كان لا يفتأ يقرأ شكسبير، ففي مآسيه صدى لنفسه الحزينة. على أن عينيه تقعان ذات مرة على تسأل أم ولهى تقول:(لقد سمعتك أيها الأب الكاردينال تقول إننا سنرى ونعرف أصدقاءنا في السماء. ولئن كان هذا حقاً فلسوف أرى ابني ثانية). فانظر إلى الرجل يضع الكتاب ويكب بوجهه على كفيه فيملأهما من روافد دمعه. . .
ذلك هو الرجل الذي كان يقوم على شؤون هاتيك الحرب. فلله ما أقسى الأيام! إن فؤاده ليكتوي بنارها كلها؛ وإنه ليحس كل ضربة أو طعنة تصيب كل رجل غيره من الرجال، ولكن عليه أن يحمل الأهوال، وإلا فمن يحملها كما يحمل من الأبطال؟