(إنني أرى خلاصة معنى النشيد في فقرته الأولى المكررة في آخره وهي: إن الصحراء تتسع وتمتد، فويل لمن يطمح إلى الاستيلاء على الصحراء) فإن نيتشه قد رمز بالصحراء إلى الوجود القاحل الذي لا غاية له، وقد أتيت على بحث هذا الرمز في كتابي (جهاد نيتشه من أجل معنى الحياة وغايتها)
(أما سائر ما في النشيد فأراه يرمي إلى وصف أجواء الصحراء المتمتعة بالحرية وهي بابتعادها عن المعمور تولى أبناءها الحياة الساذجة الطاهرة على نقيض ما تورثه ثقافة أوربا الشمالية من الخشونة والكثافة
أما كلمة (صلاة) فقد أصبتم في ترجمتكم إياها (حيَّ على الصلاة)
(هذا وقد يكون النبي محمد هو المرموز إليه بأسد الصحراء ونذيرها على حسب تأويلكم)
لقد سرنا وأيم الله أن يوافقنا هذا العالم على تأويلنا وإن يكن ذهب في تفسير اتساع الصحراء وامتدادها إلى غير ما ذهبنا إليه، فقد كنا صارحناه بأن ما فهمناه من أتساع الصحراء وامتدادها وتهديد من يطمح للاستيلاء عليها إنما هو انبعاث الإيمان الحق بالفضائل العليا وتمردها على الجحود والتضعضع في الحياة
وقد كان دليلنا على صحة مذهبنا ما ورد في النشيد من صراحة تؤيدنا خاصة في الفقرة الأخيرة وهي:
(ارتفع يا مظهر الجلال، ولتهب مرة أخرى نسمة الفضيلة
(ويا ليت أسد الفضائل يزأر أيضاً أمام غادات الصحراء، فإنه أقوى ما ينبه أوروبا ويحفزها إلى النهوض
(وهأنذا ابن أوربا لا يسعني إلا الخشوع لدوي هذه الآيات البينات)
للعالم الأوربي تأويله ولنا تأويلنا، وللصحراء في بلاد العرب رموزها فلندع للأزمان تأويلها ولنكرر ما جاء في نشيد الجاحد الطامح إلى الخلود
(إن الصحراء تتسع وتمتد، فويل لمن يطمح إلى الاستيلاء على الصحراء)
إن عبير الشرق لا يضوع من نشيد الصحراء فحسب - بل هو يفوح من كل حكمة ينطق بها زرادشت أمام مشاهد التضعضع الأوربي، ولسوف يقف رجال العلم أبناء الضاد عند كثير من أقواله فيعرفون فيها آية من الآيات التي أوحيت لأنبيائهم أو ألهمت لحكمائهم أو