إنه يؤمن بالله ويعرف أنه هو الإله الوحيد الحقيق بالطاعة والعبادة، وأنه إذا توسل إلى ولي من أوليائه الصالحين فهو منتصر في نهاية المعركة لا محالة، ومطمئن إلى جانب الله مالك الملك وقامع الأنس والجن والمردة والشياطين.
ولكن ما العمل إذا قتل الشيطان ابنه أو مسه بطائف من الخبل قبل انهزامه في المعركة التي يشنها عليه ولي الله؟ أليس الأجدى من ذلك أداء (الحلاوة) المعلومة وكتابة الحجاب المطلوب وتسليم الإتاوة وكفى الله المؤمنين القتال؟؟
فالسحر هو مهادنة بين المؤمن وعناصر الشر إيثاراً للدعة والإيجاز في علاج الأمور، وليس فيه إيمان بإله قديم ولا تراث من دم موروث في العروق.
ويشبه الإيمان بالسحر الإيمان الخفي بالمثنوية في نفوس الجهلاء وبعض المتعلمين.
لقد كانت مدام دي ستايل تقول إنها ملحدة ولكنها تعتقد وجود الشياطين، أو أنها فقدت رجاءها في الخير ولكنها لم تفقد خشيتها مما في العالم الظاهر والباطن من شرور.
والمسلم اليوم يؤمن بالله، وأن إبليس رسول الشر في هذه الدنيا غير مشلول الحركة ولا مغلول السواعد، فقد يصيب من أراده بالضرر ثم يكون المرجع في دفع ذلك الضرر إلى الله.
ولم يكن هذا اعتقاد الأقدمين من جميع الأمم مصريين وهنديين وفرساً وعرباً وأوربيين وأمريكيين.
بل كان اعتقادهم أن للشر إلهاً مناهضاً لإله الخير يتصاولان ويتصارعان، ولكل منهما معابده وكهانه وشعائره وصلواته، ومنهم من كان يصلي ويتقرب لإله الشر دون إله الخير. لأن إله الشر هو المخيف المؤذي الذي لا يكف عن الإساءة إلا بمهادنة وقربان. . . أما إله الخير فلا خوف منه ولا انقطاع لخيره، إذ هو مطبوع عليه انطباع زميله على النكاية والإيذاء.
بطلت هذه العقيدة وخلفتها عقيدة التوحيد، ولكنها ذات رجعات وعقابيل تظهر في المعتقدين والملحدين. فأما المعتقدون فمثالهم أولئك الجهلاء الذين يتوجهون إلى صنم فرعوني قديم، وأما الملحدون فمثالهم مدام دي ستايل التي تخاف العفاريت والشياطين ولا تخاف الله.