من جديد. . . إنه جدد حياة الفكر البشري كله حين جدد حياة نفسه فهدم كل ما فيها ثم أعاد ما يستحق البناء منه وذرى أنقاض الباطل في الريح وفي وجه الشيطان. . .
سترى الناس لا يسيرون على الجادة، ولكن يتفرقون على بنيات الطريق ودروبه المسدودة أو الموصلة إلى التيه. . . أو أنهم يستديرون وجه الطريق ويستقبلون قفاه. . . أو أنهم يتخذون قطاع الطريق إدلاء ومرشدين ورواداً. . .
إن الطب يدعو إلى صحة الأجسام بتصفية الفضلات والزوائد والأخلاط المضادة. . .
فلماذا لا تصفي كل ما في نفسك لتذهب فضلاتها وزوائدها وسمومها. . .؟
إن هذا يذكرك نفسك دائماً ولا يدعك تذهل عنها بالاشتغال بقشور حياتها وبالنزاع الكاذب عليها، ولا يشغلك عن مواكب الحياة التي تمر أمامك في كل لحظة
إنه مسح لزجاجتها حتى تكون شفافة صادقة الوصف والنقل لما وراءها. . .
والذهول عن النفس بالخبز والذهب والحديد، فَقدٌ لها وإهدار لحياتها الحقيقية، وسوء فهم لطرق أمتعها. وإن طعم الحياة لا يذاق إلا بالتيقظ الدائم لها في كل لمحة ونَفَس
والإنسانية هي هذه النقطة، لأن الحيوان في ذهول دائم يسير مكباً على وجهه لا يتيقظ إلا إلى مشتهاه. ولذلك غلب الذهول عن الشئون الوضيعة، على عقول الفلاسفة والفنانين الصادقين، لأنهم دائماً في شغل بصيد الخواطر التي تقفز وتحوم حول حواسهم وأفكارهم
ومتى ابتدأت حياتك شعرت بنفسك ثم شعرت بيد قاهرة خفية تدفعك من غير إرادة منك ولا استشارة لك إلى هذه الدار العجيبة الكبيرة الهائلة: الدنيا. وتلك اليد هي مناط الإيمان. يجن العقل ولا يستطيع أن يتصور أن الطبيعة خالية منها أو خارجة عن طوعها. . .
فالإيمان أن تقذف بنفسك دائماً في أحضان هذه القوة القاهرة الحامية لحقائقها وقوانينها وأن تكون معها كما يكون الطفل مع أبيه: يلوذ به ويعوذ، ويعتز ويفرح، ويفتخر وينتسب.
الإيمان هو استمداد القلب قوته وحياته من واهب الحياة وقيوم الدنيا. فالإنسان به مسندٌ ظهره إلى جدار السموات والأرض، مُحْتم بقوانينها، ومسلط عليهما، سائر دائماً في صف مجدهما وحقهما: مجد الحياة وميزان العمل فيها، شاعر أنه قوة خادمة للإلهية عاملة ناصبة للتعمير وإقرار الحياة فيهما، فاهم أنه قيوم صغير نائب عن القيوم الأكبر، تتجدد فيه الحياة بتجدد خواطره ويتدفق فيه فيض مستمد منها يحيا به كل الحيوات. . .