ثم هو في مخاطبة دائمة مع المشيئة الغالبة العالمة المبدعة التي تلتقي عندها الخلائق
وإن إدراك معنى من معاني الإلهية في خفقة من خفقات الروح أمر يحطم الحدود الضيقة التي يعيش فيها الإنسان، ويجعله يتسع للعالم كله، فيرى الخلائق جميعها تلتقي وتزدحم وتنصب في قلبه. . . فمن من المتأملين لا يريد أن يرى الدنيا جميعها في لحظة خارجة عن حدود الزمان؟
من منكم يا راصدي الدنيا يأبى لنفسه هذا الأتساع وهذا الإدراك لكل شيء في موضعه الحقيقي بين يدي الإله، سواء أكان صغيراً صغيراً كالذرة، أم كبيراً كبيراً كالمجرة؟!
قولوا يا موصدي أبواب العلم في وجوههم وفي جوه الناس!
أجيبوا يا مدمري سعادة الإنسان ومهدري معناه ومضيعيه في الأشواك والصخور بين السعالي والغيلان!
أجيبوا يا مشرديه في أودية التيه، وخاطفيه من أحضان أبيه وقاذفيه إلى قرار اللعنات والطرد والحرمان والفقد الذي ليس معه عزاء!
أجيبوا فإني لا أفقه ما ترمون إليه إلا أن تكونوا قطاع طرق الرحمة ومطاردي الإنسانية من فراديس سعادتها. . ولن تكونوا بذلك إلا شياطين ممسوخة لا تظهر في أثوابها، أو مأجورين للشياطين تدفع لهم أجورهم من الشهوات!
أجيبوا يا باحثين عن فراديسهم وهي في قلوبهم. . . ولكن بينهم وبين أن يعيشوا فيها شيء واحد: هو أن يؤمنوا أنها في قلوبهم قبل أن يروها وبعد أن يروا الحقيقة الكبرى التي تملأ الأكوان فلا يجحدوها. . .
أجيبوا يا صانعي الألفاظ ومبلبلي خواطر الناس وجالبي شقائهم الدائم بالعمى عن كل شيء يضيء والصمم عن كل شيء يصيح!
إنهم يبحثون عن سعادتهم فيما وراء قلوبهم، ولذلك يهدمون كل شيء ويقتلعون كل شيء من مكانه ويفتحون كل (قمقم) كما يفعل الذي يبحث عن متاع ضائع ثمين أليم الفقد. . .
كل هذا لأنهم اخترعوا طائرة وسيارة وراديو وتلغراف. . لذلك أغضوا عن البعوضة والبعير، ونسوا خالقهما وما بينهما. . نسوا الذي اخترع الآلة العجيبة التي في رؤوسهم، وهي التي اخترعت هذه الأعاجيب التي بها يفتنون. .