يقول توماس كارليل ما معناه (إن رفع اليد إلى أعلى لا يقل عجباً عن طيران جسم في الجو، وسماع الصوت من قرب لا يقل عجباً عن سماعه من آخر الأرض)
فالمبدأ المعجز موجود منذ الخليقة يراه كل ذي فكر يعبد الحق الأصيل ولا ينساه إذا رأى محاكاة له
والإيمان وصاية واسعة المسئولية على كل شيء: يشمل رعاية النفس والقربى والرحم والوطن والإنسانية والحيوان والجماد. . . نعم الجماد فله على المؤمن أن يضعه موضعه في الفكر وأن يجمله ويسخره ويتأمله ويسبغ عليه من حياته هو. . .
فالمؤمن ليس فردياً أنانياً ضيقاً حياته له وحده. حتى عياله؛ إنه يلدهم لجيش المبدأ الذي يعمل له، هو متجرد من سلطان كل شيء، لأن معه كل شيء؛ إذ كان على موعد مع ما يفنى منه هنا حيث يتلاقيان عند ملتقى كل شيء، عند الله الذي إليه تصير الأمور فله عين ممتدة البصر وراء الفاني تصير معه وتعرف مقره النهائي، فلا يشعر فقده ولا يحرم رفده لأنه معه على اتصال فيما وراء الحجب والكثافات. . . فأيُّما سموٍ وخلود للنفس يشبه هذا فيما بين يدي عشاق الخلود من الفنانين والعلماء؟ فمن يتبع الخلود فليلتمسه عند ملتقى كل شيء وكل ظل وكل ضوء وكل صوت. ما بين المؤمن وبين الإلهية شيء من الحب لا يقاس معه شأن آخر من شئون الحب في قليل ولا كثير. . . لأنه يدري أن أباه الحقيقي هو واهب الحياة وحافظها والقائم عليها والمنظم لآلاتها في جسده. وليس لأبويه من ذلك الحب شيء إلا لأنهما سبيل شعوره بهذه الرحمة والحب من الإلهية التي أوجدته ليتمتع بأفانين الدنيا وأفانين النفس، وإنه ليرجع إليه في كل أمر سار أو ضار بفرح طفل أو حزنه، وإنه ليدري أن لضحكه ودموعه صدى عنده. وشتان بين معتقد هذا ومحسه وبين من يرى نفسه وحيداً بين معارك الدنيا وحرب الشر والخير، ليس معه عين أبيه ترعاه!
إن الثاني يدخل إلى الدنيا ويراها داراً من غير صاحب يملكها ويتعهدها. فهي عنده شيوع ليس لأحد فيها حرمة إلا بمقدار قوته، فيأخذ منها جهرة إن وسعه الجهر، وخلسة إن أحس القهر. لا حدود أمام أطماعه. وأطماعه غير محدودة، والإنسانية عنده قطعان آبدة متوحشة لا رحمة بينها ولا حب إلا في نطاق الضرورة.
وأي شقاء للنفس إذا لم تعرف أن للدنيا مالكاً! إنه شقاء يوحي بالجريمة في صور فظيعة