كذبها وبطلانها وعلما منهم كذلك أنهم ما أوتوا علمهم كل شيء، وأن أساطين العلم المادي لم يعرفوا إلى الآن ما هي المادة التي هي أول ما يدرك. . دع عنك ما خفي في عالم الآفاق وعالم الأنفس، وعلماً منهم كذلك أن أكثر الناس ليسوا مثلهم متفرغين للتفكير في الحقائق ومقابلة بعضها ببعض، وإنما أكثرهم يأخذون الحقيقة أو الشبهة أو الأضلولة فيعيشون بها طول حياتهم، وقد يموتون عليها إلا أن يتداركهم الله بمن يغسل قلوبهم من الشبه والأضاليل
تلك ذخيرة الإيمان في قلب! فأين منها تفريغ الإلحاد للقلوب من كل معاني عزائها وهنائها وقوتها وخلودها؟ أين منها ملؤه لها بكل معنى أثيم أو تافه أو فان؟ يا ويل من أراهم فارغي القلوب وقد صاروا الآن لا عدد لهم!
لقد ضاعوا لأنهم فقدوا ميراث عزائهم ولم ينالوا الدنيا
وعندي أن كل ملحد واجب عليه إخلاصاً لإلحاده أن يكون مجرماً سفاكاً أنانياً وحشياً حتى يحقق مقتضيات إلحاده فلا فائدة من الأخلاق والعلوم والبدوات مادام القلب فارغاً من الله. وقد قلنا في مقال (حرمة البيان)(ما هو الحق؟ ما هو الشرف؟ لولا الله، كل المعايير ساقطة باطلة مبلبلة إذا لم تكن في يده هو. . . كل الصدق كذب. . . وكل الخير شر، إذا لم يقله لنا هو. . .!)
لعمر الحياة لو كان الإيمان كذباً لكان ألد من الصدق! ومادام الإنسان يطلب السعادة والراحة فلماذا لا يطلبهما هنا؟ لماذا يخطئ معنى دوامهما؟ افرضوه كذباً. . . فهل برئت حياتكم من الكذب؟ إنها مجموعة أكاذيب مات منها حكماؤكم غيظاً أيها الناس!
إنه قياس أدركه الأقدمون واختار العقلاء منهم ما عبر عنه شاعرهم بقوله:
إن صح قولكما فلست بخاسر ... أو صح قولي فالخسار عليكما
ومادمتم تقيسون قيمة الشيء بالمنفعة، فأيما شيءٍ أنفع من معنى الإيمان في حياتكم؟ إنه أعظم معنى جلب النفع للبشرية. وقصة تقدم الإنسانية هي قصة المؤمنين منها؛ فإنهم هم الذين تسلموا قيادها مرحلة مرحلة لأنهم أحسوا الإيمان بالقيوم الأكبر فأحسوا الوصاية نيابة عنه على القطيع القاصر، وحملوا أعباءه ونهضوا بها نهوض الجليدين الضليعين الذين لم يستول عليهم ضعف البشر لأنهم أولو العزم الذين في قلوبهم ذلك المعنى الحديدي الذي لا يفلت منه شيء: وهو الصبر! (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم