الثالث: عادم ثقة القابضين على زمام الأمر في الوزارة بالمشرفين على المدارس والقائمين بالأمر فيها مما حال بين أولئك وبين ثقة غيرهم بهم. فأدى ذلك إلى انحطاط مستوى رجال التعليم الأدبي ونفوذهم في الهيئة الاجتماعية وفي هذا ما فيه من النزول بالمدرسة إلى مستوى لا يليق بها.
من أجل هذا أهمل تكوين الخلق في المدرسة فانحطت الأخلاق العامة وتدهورت وصرنا اليوم نواجه في شبابنا حالة سيئة لا يرضاها وطني محب لبلاده: نرى شبابنا عاطلاً خلوا من حب المغامرة والإقدام والنزول إلى ميدان العمل والكفاح في الحياة مليئاً بأنواع الخنوثة والطراوة، وعدم القدرة على المثابرة والنضال وأتجه همه إلى العمل ببعض عادات الفرنج التي أصيب كثير من الفرنج يستقبوحنها ويمقتونها كالخلاعة والرقص وحب اللهو والدعارة، وصار أحب شيء إليه التأنق في الملبس وارتياد محال اللهو والفجور والتهتك في الطرقات، وارتكاب المحظورات والمحرمات، والعمل على الحصول على المال اللازم لذلك بالتدليس والغش والنصب والتزوير والاحتيال، مع الخروج على المبادئ العامة المقررة في الأسرة والمدرسة، فالصغير يريد أن يرغم الكبير على الاستماع لأمره وتنفيذ رأيه، والتلميذ يرغب في أن يقلد أستاذه وناظر مدرسته كما يشاء هواه. وقد ساعده على ذلك ما نعرف نحن كما يعرف غيرنا من رجال التعليم من مآسٍ كثيرة وقعت في المدرسة بسبب أخطاء خلقية كبيرة ارتكبها الطلبة وأرادت المدارس أن تقمعها بالعقوبة الرادعة ولكن الوزارة عن طريق الشفعاء السوء كانت تهمل رأي المدارس بل كانت تجبرها أحياناً على القيام بعكس ما تراه بالانتصار للمخطئين والخارجين على حدود الآداب والفضيلة مما أدى في بعض الأحايين إلى نقل ناظر المدرسة أو بعض المدرسين الذين لا يروق لهم ذلك. ولم يقف الأمر عند المدرسة بل انتشرت الفوضى الخلقية انتشاراً مخيفاً يشفق على هذه الأمة منه عقلاؤها. ويكفي أن ندلل على تمسك الكثيرين من المتعلمين بأهداب الفضيلة وكرم الأخلاق مما يقع تحت حسنا ونظرنا في المجتمع المصري في كل يوم وفي كل لحظة: فهلا سمعت برجل الصحافة الذي يهاجم أشراف الناس وأبرياءهم، وهم هادئون آمنون فينهش أعراضهم، ويقذفهم بأشنع التهم وأفحش السباب، حتى إذا ما استدعاه أحدهم ونقده الجنيه أو الجنيهين، انقلب في يوم وليلة مادحاً له معتذراً عما سلف منه بمختلف