الأعذار السخيفة، فإذا ما نفحه شيئاً جديداً بعد ذلك كال له من المدائح ما يجعله في مصاف الأبطال والمجاهدين؟ وهلا سمعت بذلك الموظف الذي يدين بمركزه الكبير لوزير من الوزراء فتراه يتردد على منزله كل يوم ليقدم له فروض الطاعة والولاء وليقوم بخدمته في كل ما يطلبه منه مهما جل أو قل، ثم هو فوق ذلك يخضع لهواه في كل صغيرة وكبيرة مهما كلفه ذلك من الشطط والانحراف عن جادة الحق والعدل، فإذا تبين منه قليلاً من الانتقاد أو الامتعاض من موظف آخر صغير لسوء فهم أو التباس في أمر أسرع فأنزل به السخط وألبسه ثوب الذل وصادره في رزقه وكرامته مهما كان ذلك الموظف الصغير مخلصاً في عمله مؤدياً لواجبه مستقيماً في حياته محتفظاً بكرامته. والأدهى من ذلك أننا نجهد ذلك الموظف الكبير الذي ظلم الناس وداس كرامتهم متابعة لهوى سيده ينقلب في طرفة عين عليه إذا ما زحزحت الظروف ذلك الوزير عن مركزه، وحل محله غيره يخالفه في الرأي. فموظفنا العظيم لا ينقطع عن زيارات سيده السابق ولا يقطع علاقته به فحسب، ولكنه فوق ذلك يتحامل عليه وعلى أعماله أمام سيده الجديد إرضاء له، وهو فوق ذلك يحاربه بكل قوة، وينقلب عدواً لدوداً له. وبذلك يكسب عطف سيده الجديد ويضمن الرقي على يديه. وهل بلغك خبر ذلك المحامي النابه الذي يوكله أحد المتقاضين في قضية له، وينقده نصف الأجر ظاناً أنه سيعمل في صفه بإخلاص، فإذا به يتصل بالخصوم، ويأخذ منهم من المال كل ما تصل إليه يده ليهمل في حقوق موكله فتضيع عليه حقوقه؟ وهلا قرأت في الجرائد اليومية حيل المحتالين والنصابين وحوادث التزوير والتدليس، والاعتداء على العفاف والطهر مما يتزايد ضرره كل يوم وتملأ به الجرائد صفحاتها ومع ذاك فهناك فوق ذلك وا أسفاه كثير مما لا يصل إلى تلك الجرائد! هذه بعض الحال السيئة التي وصلنا إليها، وهي تنخر في عظام الأمة نخراً، بينما قادتنا وساستنا لاهون عنها، مع أن معظمهم قد ذاق الأمرين منها وانكوى بنارها، فجدير بهم أن يعنوا بها قبل عنايتهم بأي أمر آخر مهما كان هاماً. وإني لا أرى محلاً للعناية بها وإصلاحها غير المنزل أولاً، والمدرسة ثانياً، وإذا كان المنزل أساسه وقائده وحاكمه هو المرأة، وتربية المرأة متوقفة كذلك على المدرسة، فقد صارت المدرسة عندنا هي الحجر الأساسي في تكوين الأخلاق وإصلاحها.
يقول صمليز في كتابه الأخلاق: (وهكذا اضمحلت رومة ثم لحقها الدمار لما عم أبناءها