الله أكبر! رجل يتقدم لقتل أبيه متطوعاً، ليحمل رأسه بيده إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لكيلا لا يكون عليه غضاضة في دينه، إن هو رأى غيره يقتله، فتحمله عزة الجاهلية على الأخذ بثأره، فيقتل مؤمناً بكافر، ويدخل النار!
سبحانك ربي! أية قوة جَعَلْتَ في رسالتك هذه، حتى استطاعت أن تحول النفوس الضارية إلى شعلة روحية سامية أضاءت الكون وقد كان ظلاماً حالكاً!
أَيحسنُ النبي صلى الله عليه وسلم ويترفق برجل طعن فيه، وشنع عليه، ويظل مع ذلك في الدنيا من يتهمه، ويفتري عليه. .
هذه هي روح الفتوح الإسلامية على عهد النبي صلى الله عليه وسلم التي لم يعرف التاريخ قط فتوحاً أرحم وأشرف وأعدل منها. وأما روح الفتوح الإسلامية الأخرى، فحسبكم دليلاً عليها هذه الوصية المثلى السامية التي أوصى بها الصديق قواده حين سيرهم لبث الدعوة إلى الإسلام:(لا تخونوا، ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً، ولا شيخاً كبيراً، ولا امرأة، ولا توقدوا نخلاً، ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة، ولا بقرة، ولا بعيراً، إلا لمأكلة
وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له:
وسوف تقدمون على قوم: يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام، فإذا أكلتم منها شيئاً بعد شيء فاذكروا أسم الله عليها
لقد كان الفتح الإسلامي فتحاً روحيَّاً مبيناً، خضعت له الجزيرة بأسرها دون أن تجري الدماء فيها أنهاراً، فتحاً دام تسع سنوات لم يقتل فيها إلا (٢٤٠) من المشركين و (٢٥٨) من المسلمين. فلا عجب إذا اتصف بهذه الروحانية السامية، لأن الروحانية كانت العامل الأكبر فيه. فمن أين جاء الجاحدون بهذه الغزوات الدامية التي امتلأت بها كتبهم، وبحت بها حناجرهم؟
من أين جاءوا بهذه المغانم والأرزاق والأسلاب التي أغرت المسلمين على التمادي في الغزو والنهب والسلب؟!
إنه فتح كان الدين غايته، ولولا الذين لكان له غير هذا الشأن