للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كتب عدي بن أرطأة عامل العراق إلى عمر بن عبد العزيز يقول: (إن الناس قد كثروا في الإسلام، حتى خفت أن يقل الخراج) فكتب إليه عمر يقول: (والله لوددت أن الناس كلهم أسلموا حتى نكون أنا وأنت حراثين نأكل من كسب أيدينا)

أما والله لو أن حاكماً كتب إلى حكومة بلاده، يصف لها قلة خراج ولايته، لما تحرجت تلك الوزارة عن عزله، ولاجتمعت الأمة بأسرها تعالج تلك الأزمة الاقتصادية المخيفة، ولكن الإسلام إنما جاء ليهدي القلوب، لا ليبتز الجيوب (فإن الله إنما بعث محمداً هادياً لا جابياً)

قال عمر بن عبد العزيز في خطبة له: (وددت أن أغنياء الناس اجتمعوا فردوا على فقرائهم حتى نستوي نحن وهم وأكون أنا أولهم) اهـ. ولسنا بحاجة إلى التعليق على هذه الجملة الموجزة وعلى ما تنطوي عليه من الكره لا للغزو والنهب والسلب فحسب، بل لجميع متاع الدنيا

تلكم هي حجة الخصوم في حب الإسلام للنهب والغزو، قد سقطت بين أيديهم، قصاصة ورق، تتلاعب بها الرياح وأمواج الحقيقة. . .

أما القول بأن العرب كانوا وسطاً في القتال فلا يدل إلا على جهل صاحبه بالفطرة العربية، وبأخلاق سكان الصحارى الموحشة، والبراري المقفرة، التي يقوى فيها الذئب، وتصول السباع. ومن شك في تبريز العرب وبصرهم بأحوال القتال، فليستنطق ربوع الأندلس والهند وفارس وأفريقيا، بل وفرنسا، يوم كانت خيول مصر وقحطان تسرح في شرق البلاد وغربها. وكان مجرد أسم العرب يوقع الرعب في قلوب الأعداء لما كان يبلغهم من أنباء فروستهم وبطولتهم. . .

بقي أمر الحروب الصليبية، وقول من قال إنها كانت حروب البسالة والشهامة وأن الصليبيين كانوا عجباً بأنظمتهم وترتيباتهم. ولسنا نزيد في دفع هذا الكلام الغث على إيراد شهادات وأقوال بعض المستشرقين الكبار، وذلك لنكون بعيدين عما يدفع الغير لاتهامنا بالتعرض والتحيز

يقول ديسون: (آن لنا أن نتناول الحروب الصليبية بالبحث تلك الحروب التي بذرت روح العداء بين الإسلام والمسيحية. . . فلقد مشى فيها أقوام كان همهم السلب والنهب والسرقة والقتل، وزاد في ذلك ما وجدوه في طريقهم إلي القدس من وعثاء السفر والمشقات.

<<  <  ج:
ص:  >  >>