وحالة مصر في الحقيقة لا تدعو إلى الاطمئنان: فأمامنا اضطراب مستمر في الحياة القومية، وأزمة محقّقة في الآداب العامة، ومشاكل اقتصادية واجتماعية قد تصل في القريب العاجل إلى الحد الأقصى من الخطورة. وليست تلك العوامل بخافية على أحد. وقد أوجدت عند بعضنا شيئاً من التشاؤم في المستقبل، وانتشر القلق في صفوف الشعب، من فلاحين يشعرون به ولا يفهمون أسبابه، إلى مثقّفين ومتعلّمين يرون الأخطار في جلاء ويتوقعون تضخّمها في السنوات القادمة. غير أن علامات الضعف والتفكك لا تظهر على صورة واحدة لكل منا، ولم نبحث وراء تلك الدلائل الخطيرة والعديدة عن الأسباب الأصلية التي عملت على تكوينها وظهورها. وكان لعدم تعوّدنا مواجهة تلك الشئون المعقّدة أن أخذنا ندرسها ونتناقش فيها منفصلاً بعضها عن بعض، ولم نفطن إلى وحدة الحياة القومية وإن بدت مختلفة المظاهر سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً
زد على ذلك أن عدم الاستقرار السياسي والإداري يجعل الوزارات التي تتوالى على كراسي الحكم غير قادرة على أن تعد برنامجاً للإصلاح والتقدم، وتواصل تنفيذه منسِّقة بين مختلف التدابير الحكومية وغير الحكومية. حتى أن سرعة التقلب السياسي وكثرة المشاكل الوطنية وتعقّدها تبعد برجال السياسة والإدارة عن الأغراض البعيدة التي كان يجب عليهم ألا يفارقوها أبداً، وتجرهم نحو المجالات الحزبية والمسائل الوقتية أو الثانوية؛ فتظهر تلك المجادلات وهذه المسائل بمظهر هام جداً كلما قربت وضاق الوقت عن حلها، مما يؤدي إلى قرارات غير محكمة وحلول غير كاملة، فتبقى سياسة الدولة عديمة التواصل كثيرة التردد والتقلب
وليس الغرض من هذا البحث أن ندرس جميع المسائل التي تواجه الدولة المصرية في الوقت الحاضر، ولا أن نستعرضها واحدة بعد أخرى ونقترح حلاً وتدبيراً لكل منها؛ بل الغرض أن نلقي نظرة إجمالية على كافة مظاهر النشاط القومي مع التدقيق في العوامل الأساسية التي أدّت إلى تضخم مشاكلنا ومصاعبنا ثم نرسم بعض الخطط العامة التي يحسن العمل على مقتضاها لمعالجة هذه الأخطار. وإلى جانب ذلك نبيّن حاجتنا الحيوية إلى الوحدة والتناسق والتواصل في سياسة الحكومة لتكفل تقدّم الأمة سياسيَّاً وقومياً، وتضمن