برجال الدين لا بالدين، حتى إنه ليقول في فورة من فوراته النفسية:(لوددت لو أستطيع أن أقذف بالأديان جملة في أعماق البحار)
وما كان لمصطفى ليضطغن على الإسلام لذاته، ولو لم يحترمه ديناً لاحترمه مقوماً من مقومات القومية التركية، تلك القومية التي كانت هدفه الوحيد بعد أن أغمد سيفه وعاد من الميدان
على أن مصطفى بشر يخطئ ويصيب، وقد يكون جار ليعدل، وانحرف عن الجادة ليصل إلى الطريق القويم. وإنك لن تخيط الثوب حتى تحدث الإبر فيه ثقوباً. ورحم الله القائل (إنا لن نصل إلى الحق حتى نخوض الباطل خوضاً)
ليس الرجل العظيم جديراً بهذا اللقب حتى يكون عظيماً في كل شيء، وقد برهن مصطفى على أنه رجل سلم كما أنه رجل حرب. ما كاد يخلص من قيود وطنه بالتحطيم، حتى تناول داخليته بالتنظيم، فأظهر في ذلك ما لم يكن ينتظر من رجل تخرج في الميدان، لم يعتد إلا حمل السلاح وإطلاق النيران. أنظر إليه يقوم (بتتريك) كل شيء، ويتعصب لقوميته حتى إنه ليحظر التعليم بغير اللغة التركية، ويقصي في سبيل ذلك كثيراً من معاهد الجاليات الأجنبية. ثم أنظر إليه لا يمنعه تعصبه الأعمى لقوميته أن يستعير من الغرب الحروف اللاتينية، فيفرضها فرضاً، ويطوف حاملاً سبورته مبشراً بها في الأندية والمسارح. ثم أنظر إليه يفرض القبعة على الرءوس، ويقذف بالقلبق والطربوش وغير هذين من الأغطية المختلفة الأشكال، التي كانت تجعل من الأتراك شبه (كرنفال). إن مصطفى القائد خبير بعلم النفس، مدرك تمام الإدراك الارتباط الذي بين النفوس، وبين أغطية الرءوس، فعل مصطفى ذلك كله في ثوان، وإن قوماً لا يزالون إلى الآن ينتظرون حكم الفقهاء في ترجمة القرآن، وهم كلما هموا باستبدال لباس بلباس، انتظروا حتى يحكموا الدليل والقياس
إن سر عظمة مصطفى هو في أنه رجل عملي، لا يعرف المناقشات البيزنطية. ما يحتاج إلى قرون، ينفذه في لحظة بقوة القانون. وإنه ليؤثر الأقدام على الخطأ على التردد في الصواب، بل إنه ليحيل الخطأ صواباً بشدة اقتناعه وسرعة اندفاعه. بذلك استطاع أن ينفذ برنامجاً واسعاً من الإصلاحات، وأن يعلن الجمهورية، وأن يلغي الألقاب، وأن يقضي على