قدرة البشر، كشفاء المرضى في الدنيا وإدخال الجنة في الآخرة، فهو خاص بمن هو على كل شيء قدير؛ ومنه قوله تعالى:(إياك نعبد وإياك نستعين)؛ فيجب التمييز بين الأمور الكسبية والأمور الغيبية. فالأولى يمكن طلبها بأسبابها ومن القادرين عليها، والثانية عبادة، وهي لا تكون إلا لله وحده، فيُلجأ إليه في طلبها ويُتوكل عليه في تحصيلها. وليُنتبه لهذا الفرق فانه عظيم
٦ - بيان أن عرب الجاهلية كانوا أربع فرق: فرقة كانت تدعو الجن، والثانية الملائكة، والثالثة تعبد الرسل والصالحين، والرابعة وهي أحط الفرق الأربع كانت تعبد الأوثان التي نحتتها على مثال الصالحين. وهذا البيان، من افتراق المشركين إلى أربع فرق قد بينه القرآن، وكلّم كل فرقة بحسب ما تعتقد وردّ عليها، وإليك الآيات التي تدل على ذلك:
الأولى: الفرقة التي كانت تدعو الجن (ويوم يحشرهم جميعاً، ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون؟ قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم، بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون، فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعاً ولا ضرا)؛ وقال تعالى في شأن هذه الفرقة أيضاً:(وجعلوا لله شركاء الجن وخلفهم وخرقوا له (اخترعوا) بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون)؛ وقال تعالى في شأن دعاة الملائكة والرسل والصالحين وهما الفرقتان الثانية والثالثة:(قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلاً، أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه، إن عذاب ربك كان محذوراً) ولا يمكن لعاقل أن يزعم أن الأصنام كانت ترجو رحمة أو تخشى عذاباً
وقال تعالى في شأن الفرقة الرابعة وهم عبدة الأوثان الذين نحتوها على مثال الصالحين:(إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين، ألهم أرجل يمشون بها. . . الآيات) وجميع هذه الفرق كانوا يعتقدون أن الخالق لكل شيء هو الله تعالى، وأن دعاءهم لمن يدعون ليقربوهم إلى الله زلفى، كما حكى الله تعالى ذلك عنهم جميعاً بقوله:(ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) وقد تقدم ذلك. ومن هنا يتبين خطأ من يظن أن الآيات نزلت فيمن كانوا يعبدون الأصنام وحدهم، وقد علمت أن القرآن لكريم تكلم مع كل الفرق