مشرب الشاي، ولا مثل ذلك الرجل الذي يخطئه التوفيق على الدوام، وأما الأم فقد كانت تختلف تماماً عن أمي، التي كانت أقل النساء إيثاراً لنفسها، وأملهن خطوة بالسعادة! وهكذا لم يكن في القصة من شيء قد استوحيته الحقيقة الماثلة سوى البطل الشاب المرح الموفق. وكذلك لا تعدم الحياة وجود أمثاله على الدوام!
كان هذا الشاب أجنبياً عن البلاد، يشتغل في وكالة لبعض الأعمال الخارجية، وقد عرفته عن طريق أخي الذي كان صديقاً له، وكان يعول أخته، ويجهد أن يعين حبيبته على أمور حياتها. وقد حدث أن خرج وإياها في نزهة، وانتهى بهما المطاف إلى مشرب الشاي، حيث اتفق أن رأته يقبل الفتاة خادم المشرب. ولقد جرت على هذه الأزمة الأخيرة - في القصة - تعنيف صديقه كانت على وشك الزواج، إذ ساءها أن بطل قصتي لم يكن على شيء من متانة الخلق ولا الثبات على حب واحد!
ولست أدري ماذا حدث لقصتي بعد ذلك من حيث تسجيل الحوادث، ولا أظنها كانت متأثرة بواحد من كتاب السلف، عدا (لويزا آلكوت) التي كنت قد قرأت له أقاصيص متتابعة منذ عام ١٨٩٤
وحين التفت إلى الوراء ثلاثين عاماً، يبدو لي أن مؤلف (القلب السعيد) رجل آخر لا يحمل اسمي ولا يمت إليّ بسبب. وإن صورته الشمسية لتنطق بأنه كان ذا رأس مستطيل، غزير الشعر، وأنه كان بارز عظمتي الوجنة، قصير النظر برغم بريق عينيه، كما أنه لم يكن من النوع الذي تسهل قراءة عواطفه وخلقه من صورته ومظهره الخارجي، سوى ما كان يبدو عليه من إمارات الجد والوقار؛ التي يتميز بها علماء الشباب، ولكنه - إذا صدقت ذاكرتي - لم يكن على شيء من الجد ولا الوقار! كما أنه لم يكن من العلماء بحال!
كتبت (القلب السعيد) في الأمسية وأيام العطلات الأسبوعية، خلال أربعة شهور أو خمسة، وكما صنع (شكسبير) في قصته (بن جونسون) لم أكن أعمد إلى تجفيف سطر واحد!
وكما أن فرصة النشر لم تكن حينذاك أكثر من وهم يتأرجح ويضطرب في ذهني؛ كذلك كانت هذه الفترة من الزمن أهنأ أيام حياتي. . . فقد كان من الفكاهة المستملحة أن أخترع أناساً لا أعرفهم، وأروي عنهم قصة فضفاضة الفصول، ثم أعمد إلى تسجيل الاختراع والحديث في سطور! ولقد سمعت بعد ذلك أنني طالما ضحكت في كتاباتي ضحكاً طليقاً؛