(اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم) وهي فاتحة القرآن، وغرة الإسلام، ومسجلة سعادة الإنسان. لله ما وعى هذا الغار من آيات! ويا عجباً كيف ثبت على هذه الرجفات، و (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله!). قلت من قبل في شعر الصبا:
لعل جبال مكة لا يزال ... يجلجل فوقها هذا المقال
ويخفض رأسها ذاك الجلال ... وما نسيت بغار حراء ذكرى
والآن أقول: ألا يسمع هنا ذلك الصوت مدوياً مردّداً؟ ألا يرى هنا هذا النور طائفاً بحراء متلألئاً؟ ألا يجد الواقف هنا روحا من الإيمان، ويسمع وحياً من القرآن؟
خرج محمد صلوات الله عليه من هذا الغار، من حضن هذه الخليقة وهو أشبه شيء بها؛ خرج حقيقة من حقائق الله نقيّة جليّة صريحة، لا تبديل ولا تزوير، ولا لبس ولا تغرير، ولا خفاء ولا اضطراب. خرج قانوناً من قوانين الله التي تسّير الشمس والقمر والنجوم، وتمسك السماء والأرض، يمضي قُدماً إلى الغاية المقدورة مضى النجوم في حبكها، والشمس في فلكها
تمثل الرسول هابطاً من حراء وقد حمل عبء النبوة واضطلع بأمانة الرسالة، وأفضى الله إليه بوحيه وكلفه هداية خلقه
ليت شعري أهبط ونفسه قريرة هادئة كما ينزل النور من الشمس والقمر، أم نزل ونفسه جائشة مجلجلة كما ينزل الغيث بين الرعد والبرق؟ لست أدري، ولكنه نزل ديناً جديداً، وعصراً وليداً، وتاريخاً مديداً، وإصلاحاً شاملاً، وهدى كاملاً، ورحمة للعالمين
أيها الغار! يا مولد الحق، ومطلع النبوة، ومأوى محمد! لولا أن محمداً الكريم نهانا لقبلت أحجارك واكتحلت بترابك