للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

هذه كلمة (سياسة) لا نستعمل معها مرادفها وهي كلمة (إيلة) فان إيالة الرعية وسياسة الرعية شيء واحد؛ بل ربما كانت (الإيلة) أشهر من (السياسة) في استعمال أهل اللسان الأولين: آل البلاد والرعية أولاً وإيالةً، وتأول البلاد (من التفعل)؛ ويقلبونها أحياناً فيقولون (تألَّي) ومنه قول الشنفري في بيتيه المشهورين (وأمّ عيالٍ قد شهدت تقوتهم الخ)

وقد عني بأم العيال رفيقه في اللصوصية (تأبط شرا) إلى أن قال (أيَّ أول تألت) أي أية سياسة مشؤومة ساستنا بها تلك الأم في توزيع الزاد علينا

وقد يقال أيضاً إن فعل آل إيالةً أعرق نسباً وأشد أصالة في المعنى المراد من فعل ساس سياسة

ذلك أن السياسة تستعمل حقيقة في سياسة الدواب، ومن سياسة الدواب نقلت إلى معنى سياسة الرعية، بينا كلمة (إيالة) خاصة بسياسة الرعية وإدارة مصالح البشر، ولكن هل يشفع كل هذا بها، فترزق الحظ وتحيا بالاستعمال، أو يتشاءمون بها ويهملونها إلى حين؟

(بِزِّيزَي) بكسر الباء وبزايين معجمتين أولاهما مشددة بينهما ياء ثم ألف مقصورة، تقول العرب: (رجعت الإمارة أو الرياسة بزيزي) أي ما عادت تؤخذ بالاستحقاق والكفاية بل بالقوة فمن عز وقوى عليها بزها وسلبها مستحقها. فكلمة (بزيزي) من فعل (بز) المأنوس والمشهور لاستعماله في المثل السائر (من عز بز) أي من قوي سلب. فما أحوجنا إلى أحياء هذه الكلمة ما أكثر المقامات التي تعرض للكاتب أو الصحفي ويتفقد كلمة (بزيزي) فلا تخطر له

ولا أرى كلمة (فوضى) تسد مسد (بزيزي) إذ أن بينهما فرقاً لا يخفى على البصير

فهل يرضى كتابنا عنها ويفسحون لها المجال على أسلات أقلامهم؟ أم يتأففون بها كما تأففوا بالإيالة:

وكلمة (أبهل) ما الرأي في إحيائها من رمسها؟ يقال: أبهل الوالي رعيته إذا تركهم يفعلون ما شاءوا. وكثيراً ما أصبح الأمر فوضى في أطراف المملكة أو في بعض بواديها بسبب عجز الحاكم أو بسبب سوء إيالته (أي إدارته) فهذه الحال هي الأبهال تبهل الحكومة بلداً وتعجز عن ضبطه فتعم الفوضى فيه، ففعل (أبهل) من أجدر كلمات اللغة بالحياة وأولدها بالاستعمال

<<  <  ج:
ص:  >  >>