يقول قائل إننا نشعر بالاستغناء عن كلمة الأبهال وتصاريفها ما دام لدينا تعابير أو جمل مركبة نستعملها مكانها
نعم ولكن إذا تداولت واستعملت استجد في نفوسنا شعور وألفة لها: مثل كلمة (هيأة) في قولنا (هيأة المحكمة) و (هيأة كبار العلماء)، فان كلمة رجال القضاء والقانون كادت تجمع على أنه لا تقوم مقامها كلمة سواها مع أن الحاكم والحكام كانوا في غنية عنها أكثر من ألف ومائتي سنة. وهذا كالسيارات والتليفونات في بلاد كمصر مثلاً كانوا يعيشون من دونها، أما اليوم فلم تعد تستتب للناس حياة ولا يطيب لهم عيش إذا حصل إضراب وعطلت السيارات والتليفونات عن العمل
زارني بالأمس زائر كريم من كتاب الصحف وجرى بيننا ذكر الحاجة إلى أوضاع جديدة تقوم مقام تلك الأعجمية. فأجبته ما الفائدة من إجهاد أنفسنا في وضع كلمات عربية جديدة إذا كنتم تأنفون منها بسبب شيء من الغرابة أو الثقل تجدونه فيها فما أسهل إيجاد الأوضاع علينا. ولكن ما أصعب قبولها عليكم
قال: وما مثال ذلك؟ قلت: قد يكون للدولة جيش مختلط من وطنيين وغير وطنيين فهل تقبلون أن نطلق عليه اسماً كانت تعرفه العرب وهو (البريم)؟ وأصل معنى البريم خيط ثخين يفتل من عدة خيوط مختلفة اللون. فالعرب منذ القدم سموا الجيش المتعدد الأجناس (بريماً) تشبيهاً له بالبريم أعني الخيط المذكور.
فقال: ينبغي قبول كلمة البريم لخفتها وإحكام وضعها. أما (البزيزي) و (الأبهال) فلا. ثم اخذ يجادل ويحتج بنفسه بقول الأستاذ (أحمد أمين) وهو:
(إن علينا اليوم أن نختار الألفاظ التي تناسب العصر ويرضاها ذوق الجيل الحاضر)
قلت: وقال الأستاذ (عزام) ما ملخصه:
(إن علينا اليوم ألا نجعل الذوق حكماً في اللغة لأنه يقتصر على المألوف من الكلمات ويعد ما دعاه ثقيلاً نابياً. وعلى الكاتب ألا يجعل نفسه أسيراً تتصرف به الأذواق الخاصة، بل يستملي فطرته فتملي عليه من الكلمات ما يلائم الذوق العام. الألفاظ أجل من أن يتحكم فيها الذوق وحده. الحاجة الملحة خلاَّقة الألفاظ. وهذه الحاجة لا تبالي بالأذواق؛ فكم من كلمة أجنبية ثقيلة استعملها كتاب العرب وألفتها أذواقهم: كالبروبوغندا والأرستقراطية