والميتافيزيقية الخ. وما دام هناك معان شديدة وجب أن يكون إزاءها ألفاظ شديدة، ولا مندوحة لنا عن استعمال تلك الألفاظ لمعانيها كما نستعمل الألفاظ اللينة لمعانيها أيضاً. ونكون في عملنا هذا أحراراً دون أن تأخذنا رحمة بالأذواق، وكما يعالج لين الحضارة بالرياضيات الخشنة القاسية ينبغي أن يعالج لين اللغات بالألفاظ الخشنة القاسية أحياناً. وإن حاجتنا اليوم إلى الإبداع تسوغ لنا أن نتخير من الألفاظ ما نشاء ثم نطبع ذوق الأمة على مشيئتنا هذه. وما أشد حاجتنا إلى كثير من الألفاظ الجديدة التي إذا استعملناها أعانتنا في الإفصاح والإبداع. نعم إذا كان للمعنى الواحد عدة ألفاظ حق للذوق أن يختار منها أحلاها، وأرشقها لا أن يعمد إلى أسمجها وأثقلها فيؤثره على المألوف إغراباً وتنطعاً) اهـ
وقول الأستاذ عزام هذه يشبه ما قلته مراراُ: من أن كلمات اللغة في المعاجم تحكي الأدوات المنزلية في المنازل: منها اللطيف المرهف الذي يًصفف في محاريب الدار (صالونها)، ومنها الضخم الجافي الذي يخبأ في أقبيتها وسراديبها، ولكل أداة وظيفة لا تستعمل فيها الأداة الأخرى؛ فللصديق الزائر متكأ الحرير ومروحة الريش وأكواب السكر؛ وللص الدار الهراوة ويد المهراس ومشحوذ الخنجر
وشتان بين خشونة هذه ونعومة تلك، كما أنه شتان بين كلمات (الجَعْظَرِيّ) و (الجَوْاظَ) اللذين استعملها النبي (صلى الله عليه وسلم) في قوله (أهل النار كل جَعْظَرِيّ جَوّاظ) وبين كلمات (كَيِّس فَطِن حّذِر) التي استعملها (صلى الله عليه وسلم) في حديث (المؤمن كيس فطن حذر)
وكلمة (ضوطار) من كلمات أو أدوات المعاجم القديمة، فهل نستثقلها ونهجرها لثقالتها؟ أم ندَّخرها كما تدَّخر الهراوة للصّ فنخبأ (الضوطار) للرجل الذي ينزل ميدان السياسة ولا سلاح له يضمن له الفوز إلا الجهل والمخرقة فنلقّبه بضوطار السياسة كما لقبه بذلك الشيخ جمال الدين أو الشيخ محمد عبده في جريدتهما (العروة الوثقى)
جاء في صحف الأخبار أن الطيار (فلان) حاول أن يبلغ بطيارته أعلى قمم جبل هملايا وهي قمة (أفرست) وبعد قيامه بما أخذه على نفسه ذكر أنه علا بطيارته في الهواء الملاقي والمحاذي لسفح الجبل عدة مئات من الأميال صعداً قبل أن يبلغ القمة المذكورة وقبل أن يبلغ الفضاء الذي فوقها. فالهواء المحاذي للجبل ماذا يسمى؟ يسمى (نفنفاً). فهذه الكلمة