للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الرئيس يفكر في أمر هو أعظم ما فكر فيه من الأمر. . . ولقد كان من أجل مواهبه أنه كان يتبين الأمور على حقيقتها مهما التوت عليه سبلها واختلطت وشائجها، وهو في ذلك يلقي بنظره فيتبين حقيقة موقفه وموقف أعدائه ثم يسدد خطاه على هدى مما رأى دون أن تفوته صغيرة أو كبيرة مما تقع عليه عيناه. . .

وتبين الرئيس موقفه فأخذ يتحفز ويستجمع قواه ليقدم، ثم عزم وصمم فليس من الأقدام بد؛ وليس لما عسى أن يلقي من المعارضة أي وزن عنده. . . ومتى عقد إبراهام النية على أمر ثم تخاذل عنه أو تهاون في العمل على إنفاذه. .؟

صمم الرئيس أن يضرب الضربة التي طالما انتظر أن تواتيه لها الفرصة. . . أجل، أراد الرئيس اليوم أن يضمن تاريخ البلاد، بل وتاريخ الإنسانية، أجل عمل قام به ألا وهو تحرير العبيد! وإنه لن يحجم اليوم أن يعلن رسمياً وفي مجال واسع ما سبقه إليه فريمونت وهنتر، ولن يتردد أن يأخذ بما رفض من قبل مهما يكن من الغرابة في موقفه، ولكن أية غرابة وهو كفيل أن يوضح للناس قضيته وأن يحملهم على قبول حجته؟

الحق أن الرئيس لم يغفل يوماً عن مسألة العبيد، ولم ينس ذلك النظام المنكر البغيض الذي نشأ على مقته وازدرائه والذي طالما تمنى أن تنجو البلاد من آثامه. . . ولكنه كان يحرص ألا تفسد مسألة العبيد عليه قضية الحرب، ولقد كان محور تلك القضية كما مر بنا المحافظة على الوحدة؛ فلما رأى تحرير العبيد قد أصبح عاملاً من عوامل نصرة تلك القضية وعنصراً من عناصر نجاحها، لم يتردد ولم يخف ومضى قدماً إلى غايته. . .

وكان الرئيس قد خطا خطوة في هذه المسألة في أوائل السنة الثانية من سني رياسته (٦ مارس سنة ١٨٦٢) وذلك أنه أرسل إلى المجلس التشريعي مقترحاً أن يصدر المجلس قراراً به تعوض الولايات التي تقضي على نظام العبيد فيها تدريجياً تعويضاً مادياً عادلاً، وأصدر المجلس ذلك القرار ولكن الولايات المحايدة عارضته ورفضته وهي المقصودة قبل غيرها به. . . ودعا الرئيس ممثليها وحاول إقناعهم ولكنهم لم يقتنعوا فمنيت الفكرة بالفشل ولم يفد الرئيس منها إلا أنه تعرض لنقد هذه الولايات ولومها ثم للوم دعاة التحرير من جهة أخرى لأنهم رأوا في الفكرة تردداً وتقاعداً وهم يريدون التحرير العاجل في غير تحفظ أو تراجع

<<  <  ج:
ص:  >  >>